نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "من أومأ الى متفاوت خذلته الحيل".
دلالة الحديث
النص المتقدم من حيث دلالته يشير الى ان الشخص الذي يسعى الى الظفر بما هو متباعد بعضه عن البعض الاخر، فانه يقصر عن ذلك، اي: يفشل في تحقيق أمله مهما مارس من الحيل الفكرية. وهذا يعني: ان الشخصية ينبغي الا تمارس عملاً فوق طاقتها، او عملاً هو اساسا بعيد المنال. هذه الوصية أو الحديث لو صيغ كما هو ملاحظ بلاغياً لاضفى على الدلالة معاني دقيقة تعجز العبارة المستخدمة قاموسياً عن ايفاء معانيها، ولذلك تجيء الصياغة الفنية ليحقق الدلالات المشار اليها. اذن: لنتجه الى ملاحظة الصياغة البلاغية.
لقد استخدم الامام عليه السلام عبارة (من أومأ) اي: أشار وكان بمقدوره عليه السلام ان يستخدم غير هذه العبارة الفنية كما لو قال مثلاً: من سعى الى متفاوت بدلاً من أومأ، بيد ان النكتة البلاغية العميقة تكمن في استخدامه عليه السلام عبارة (اومأ) بدلاً من (سعي) او (حاول) الخ، كيف ذلك؟.
ان (اومأ) معناها: الاشارة ومن الواضح ان الاشارة هي تعبير دال على شئ لا امكان لأن يقبض او ان يلمس أو ان يحصل عليه، حيث ان الاشارة مثلاً باصبعه الى جبل شامخ أو شجرة عالية أو سحاب أو مكان بعيد.. الخ، هذه الاشارة ليست كالوصول مباشرة الى المكان البعيد او الصعود الفعلي الى السحاب مثلاً بل هو: مجرد علامة لا اكثر. والآن مع معرفتنا بهذه اللفظة الدالة ماذا نستخلص من الحديث؟.
بلاغة الحديث
لنقرأ من جديد "من اومأ الى متفاوت خذلته الحيل"، ماذا نستلهم من العبارة المتقدمة؟ الجواب: ان المتفاوت من الاشياء اي المتباعدة بعضها عن الاخر يظل في التصور العادي للامور غير مقدور من حيث الحصول عليه، والسبب من الوضوح بمكان، فانت اذا تجاوزت طاقتك العلمية مثلاً لا يمكنك ان تكتشف وتبدع نظرية أو سبقاً علمياً خارج نطاقك الثقافي، وحينئذ مهما مارست من الحيل التي يمارسها بعض الكتاب الباحثين عن الشهرة مثلاً سوف لن تستطيع ان تحقق حلمك الثقافي وتظل في النتيجة قد اضعت وقتك فيما لافائدة فيه وهو العبث بعينه.
اذن امكننا ان نتبين بلاغة الحديث الذي استخدم عبارة (اومأ) دون غيرها، للتعبير عن استحالة الوصول الى ما لا طاقة للانسان به.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.