نص الحديث
قال الامام زين العابدين عليه السلام: "وانطقني بالهدى، والهمني التقوى"
دلالة الحديث
هذا النص مع قصره ينطوي على نكات بلاغية ودلالية يجدر بنا ان نتبينها بوضوح، وهذا ما نبدأ به الآن فنحدثك اولاً عن الدلالة، فماذا نستلهم؟.
واضح، ان النص المتقدم يتحدث عن الهدى، ويتحدث عن التقوى، والسؤال هو: ما الفارق بينهما؟ الجواب: "الهدى" هو ما يهتدي إليه الانسان من المبادئ، متمثلاً بطبيعة الحال في الشريعة الاسلامية، حيث أمرنا بالعمل وفقها تبعاً لقوله تعالى: "أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ"، النساء آية 56، حيث ان كتاب الله تعالى وسنة الرسول (ص)، واحاديث اهل البيت عليهم السلام تجسّد العمل بمبادئ الشريعة الاسلامية بالنحو المطلوب.
واما "التقوى"، فلعّلك تتساءل عن الفارق بينها وبين "الهدى" فنقول: ان العمل بمبادئ الشريعة وفق المطلوب هو: التقوى، اما "الهدى" فهو: معرفة مبادئ الشريعة بعامة، والعمل وفقها، ولكن مع الحيطة التامة في التعامل مع الظواهر ما وجد الانسان الى ذلك سبيلا. والآن مع معرفتنا نظرياً وتطبيقياً بمبادئ الشريعة، نتساءل: لماذا عبّر النص بكلمة "انطقني" بالنسبة الى "الهدى"، بينما قال "ألهمني" بالنسبة الى "التقوى": هنا تتجلّى البلاغة في اسمى واطرف صورها كيف ذلك؟.
عندما قال النص "انطقني بالهدى" يكون قد استخدم الاستعارة أو الواقع المطلوب منا وهو: ان نوصل مبادئ الشريعة الى الاخرين من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث ان النطق هو السبيل الى ايصال مبادئ الله تعالى تبعاً لقول المعصوم: "زكاة العلم: تعليمه"، فما دامت الشخصية قد عرفت "الهدى" فلا مناص من توصيل مبادئه الى الآخرين، كما كررنا، لكن: لماذا قال النص بالنسبة الى "التقوى" "والهمني التقوى"؟.
بلاغة الحديث
الجواب: التقوى بصفتها تجسيداً تاماً مشفوعاً بالحيطة لمفهوم العمل بمبادئ الشريعة، حينئذ فان العمل بما هو مطلوب يظلّ نشاطاً قلبياً ووجدانياً يحتاج الى التجلية والتحلية بنحو يتطلب الهاماً من الله تعالى بما هو المطلوب، وهذا ما عبرّت الفقرة "والهمني التقوى" به، بصفة ان الإلهام هو: القاء غيبي يتسلل الى القلب لا شعورياً او شعورياً بحسب الحالة النفسية التي يحياها المتلقّي لعملية الالهام.
اذن امكننا ان نتبين دلالة وبلاغة الفقرة المتقدمة، سائلين الله تعالى، ان يوفقنا الى التقوى، والطاعة، انه سميع مجيب.