نص الحديث
قال الامام الحسن عليه السلام: "المؤمن يتزود والكافر يتمتع".
دلالة الحديث
هذه المقولة من المقولات الخالدة دلالياً وجمالياً، اما من حيث الدلالة فيتضمن حصيلة او فلسفة وجود الانسان على الارض، واما جمالياً فتتضمن ادق الرموز واكثرها طرافة على نحو ما سنحدثك عنه الآن، ولكن نبدأ دلالياً فنقول:
من الحقائق المعروفة في ميدان المبادئ الاسلامية، حيث النصوص القرآنية والحديثية، المقولة التي تؤكد: "ان خير الزاد التقوى"، وهذا من حيث الشخصية الملتزمة اسلاميا، واما الشخصية الكافرة فتنسحب عليها المقولة المعروفة بان الكافر يماثل الحيوانات التي تأكل وتتمتع في حياتها، وهذا يعني ان للمؤمن وظيفته المتمثلة في الالتزام بمبادئ الله تعالى، وان الكافر حيوان يتمتع فحسب، سر ذلك ان المؤمن يعمل من اجل عمارة الآخرة، والكافر من اجل عمارة الدنيا، والآن بعد ان نتبين هذه الحقيقة الدلالية علينا ان نتجه الى بلاغة ما عبر عنه الامام الحسن عليه السلام عن الحقيقة المذكورة بقوله: "المؤمن يتزود والكافر يتمتع".
بلاغة الحديث
هذه المقولة تجسد صورة رمزية في غاية الطرافة والاثارة والعمق انها تتميز بالاقتصاد اللغوي في ابهى صورة حيث تقنص او تعتمد "التناص"المدهش للنصوص القرآنية والحديثية التي تشير الى ان خير الزاد التقوى، كما أشرنا والى ان الكفار يأكلون ويتمتعون كما تأكل الانعام، هذا الاقتباس قد لخص مقولة "خير الزاد التقوى" برمز "المؤمن يتزود"، ولخص مضمون: "الذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام" برمز (يتمتعون، اي: قد اكتفت المقولة الواردة عن الامام الحسن عليه السلام بعبارة: "خير الزاد" الشرعية بكلمة واحدة هي "يتزودون" وبعبارة (يأكلون ويتمتعون الخ) بكلمة (يتمتعون) فقالت المؤمن يتزود والكافر يتمتع، فجاءت الكلمات الاربع حصيلة او نتيجة أو خلاصة او رمزاً لسلوك المؤمن وسلوك الكافر، على نحو ما لاحظناه.
وقد تسأل من جديد: ما هي الطرافة وما هو العمق في مقولة الامام الحسن (ع) خارجاً عن "التناص" او "الاقتباس" او "التضمين" ثم الاختصار للمقولة القرآنية والحديثية؟ الجواب: ان المتزود (وهو رمز التقي) يعمل من اجل الله تعالى ومن اجل الآخرة بينما (المتمتع) لايعرف سوى الأكل والاحساس بالمتعة من خلال الأكل المذكور فيما لايفقه شيئاً غير هذا انه ينحصر سلوكه في عمر قصير هي الدنيا، ويخلد الى الابد اخروياً في نار جهنم (اعاذنا الله تعالى منها)، بينما المتزود يفقه وظيفته في الدنيا وهي الخلافة أو العبادة بمعناها الاوسع، "وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون" فيمارس وظيفته العبادية ويوظف حتى الاكل من أجلها، ومن ثم يفكر في اخرته التي يخلد من خلالها في نعيم دائم هو: رضاه تعالى اولاً ثم الجنة ثانياً.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا متزودين وان يوفقنا الى الطاعة انه سميع مجيب.