نص الحديث
قال الامام الصادق عليه السلام: "الماشي في حاجة اخيه كالساعي بين الصفا والمروة، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه".
دلالة الحديث
الحديث ينطوي على تشبيهين واقعيين، هما: "الساعي بين الصفا والمروة" و "المتشحط بدمه" . وهذان التشبيهان واردان في السعي الى قضاء حاجة الاخ لاخيه وفي من قضى فعلا حاجة اخيه مباشرة. واهمية هذين التشبيهين تتمثل في كونهما صورتين في صورة واحدة في تشبيهين على ما نوضحه فيما بعد. اما الان فنتجه الى دلالة الحديث، فماذا نلحظ؟.
من الحقائق المعروفة في ميدان السلوك الاجتماعي، ان الناس نمطين، احدهما من يسعى لحاجة اخيه اذا لم يقدر عليها، كما لو طلب اخوك مالا او قرضا ولم تستطع ذلك، ولكنك سعيت الى حاجته من خلال وساطتك شخصا آخر يقوم باداء الموضوع المتقدم. واما النمط الاخر فهو من يقوم بنفسه لمساعدة اخيه طبيعيا، ثمة نمط ثالث ورابع، كمن يمتلك مالا ولم يساعدك وكمن يقف محايدا لم يسع الى الاخر وساطته، وكمن يحجز الاخر عن المساعدة وهكذا.
بلاغة الحديث
المهم: ان النص يتحدث عن النمطين الايجابيين، وهما: الساعي الى قضاء الحاجة والقاضي بنفسه تلك الحاجة، وقد شبه الامام عليه السلام الاول بالساعي بين الصفا والمروة، والثاني بمن يتشحط بدمه. والان: الى ملاحظة هذين التشبيهين.
قلنا: ان الصورة التي قدمها الامام عليه السلام تنطوي على تشبيهين، وهما من الطرافة والعمق بمكان، وبما ان السلوك الايجابي لقضاء حوائج الاخوان ينشطر الى ساع والى محقق، فلابد وان يتقدم الامام عليه السلام بتشبيهين، طبيعيا ثمة نمط ثالث ايجابي ايضا الا ان النصوص الشرعية افردته في سياق اخر الا وهو: الذي يهتم بحاجة اخيه ولكنه لايستطيع قضاءها ولا يملك الواسطة، فان الحديث الشرعي يثمن هذا الموقف ايضا ويمنحه ثواب ذلك، لان الاهتمام النفسي ذاته دال على خيرية الشخص المذكور.
قلنا: ان الامام عليه السلام قدم تشبيهين، احدهما للساعي في حاجة اخيه، والثاني لمن يحققها بنفسه، التشبيه الاول هو الساعي بين الصفا والمروة، هنا نلحظ الطرافة في السلوك المشترك بين الساعي لحاجة اخيه وبين الساعي بين الصفا والمروة، ان كليهما ساع، ماشي، دون ان يمارس عملا، فالاول يمشي الى شخص اخر، والثاني يمشي الى اتمام النسك.
واما القاضي للحاجة بنفسه، يقابله المتشحط بدمه، طبيعيا المتشحط بدمه ليس كالساعي بين الصفا والمروة، حيث يعرض الاول نفسه للموت، بينما الساعي لا يمارس اكثر من المشي، من هنا تتحقق الطرافة والعمق في التشبيهين لان الساعي الى قضاء حاجة اخيه لايكلف نفسه باضطلاع الخدمة المباشرة لقصوره فلا يمارس غير المشي الى شخص اخر ليقضي الحاجة، بينما الشخص القاضي بنفسه للحاجة انما ينفق من امواله مثلا وهو بذلك يشبه المقاتل في الساحة حيث ان الجهاد هو الجهاد بالنفس وبالمال مثلا.
اذن: امكننا ان نتبين ولو عابرا، اهمية النص الوارد من الامام الصادق عليه السلام، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى قضاء حوائج المؤمنين، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.