نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "العالم العامل بغير علمه، كالجاهل الحائز الذي لا يستفيق من جهله".
دلالة الحديث
النص المتقدم يجسّد صورة تشبيهية واقعية، وقد سبق ان اوضحنا الفارق بين التشبيه التخيلي والتشبيه الواقعي، والمهم ان نحدثك اولا عن دلالة النص فنقول: النص يشير الى العالم ولكن لا يعمل بعلمه، كالعالم مثلا بانّ الغيبة حرام، والنظر الى المرأة الاجنبية حرام، ولكنه يستغيب وينظر الى ما هو محرم، وحينئذ اوضح بان الجاهل حائر في معالجة اموره، حيث انه بمثابة النائم الذي لا يستفيق من ندمه، فيظل نائما وهو الضياع التام، كما هو واضح. والان نتجه الى بلاغة النص فماذا نجد؟ قلنا، ان هذا النص ينطوي على صورة فنية هي: التشبيه وقلنا: التشبيه امّا ان يكون تخيليا مثل قوله عليه السلام: "القناعة كنز لا ينفذ"، حيث شبّه القناعة وهي سمة نفسية بما هو ماديّ وهو: الكنز ولهذا النمط من التشبيه فكاهته وعمقه واهميته، كذلك فان التشبيه الواقعي له ايضا معطياته بحيث ياتي كل من هذين النمطين في سياق خاص والمهمّ هو ان نحدثك عن هذا التشبيه الواقعي فنقول: لقد شبّه الامام عليّ العالم بغير عمل بالجاهل، وهذا تشبيه واقعي لان كليهما انسان، كل ما في الامر احدهما ملمّ بالعلم والاخر محروم منه، ثم ان الجاهل قد رسم النص وفق تشبيه فرعي (وهذا احد جمالية التشبيه الواقعي).
بلاغة الحديث
وهذا التشبيه الفرعي عن الجاهل يقرر: بان الجاهل نائم اي لا يستفيق، بمعنى ان النائم مالم يستفق يظل متسما بالنوم وهو الغفلة التامة حيث لا امل بان يصحو، هنا اضاف الامام (ع) سمة ثالثة (تزيد من جمالية التشبيه) حينما اوضح بان الجاهل (حائر) اي: يحيا ظاهرة الصراع ولا ينتهي به المطاف الى شاطئ، وتأتي حيرته من التشبيه او الاستعارة او الرمز الذي يتمثل في النوم او في حالة غير المستفيق من النوم والنكتة هنا هي: ان الحائر والنائم لا يوفّقان ابدا الى حسم الامور، بصفة ان الحائر هو بين اقدام واحجام، والنائم غافل وكلاهما لا فائدة من وجوده بل العكس هما يضران انفسهما دون ادنى شك، وهذا ما يتساوق مع العالم الذي لا يعمل بعلمه، لان عدم العمل هو مماثل: للنائم العاطل عن العمل. اذن: ما اطرف هذه المقارنة بين العالم والجاهل بالنحو الذي اوضحناه.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا من العاملين، انه سميع مجيب.