نص الحديث

قال الامام علي _عليه السلام_: "لاتحملن على ظهرك فوق بلاغك فيكون ثقلاً ووبالاً"

دلالة الحديث

الحديث المتقدم يجسد صورة فنية هي: الاستعارة او الرمز، ولكنه يضطلع بتفسير دلالته البلاغية ... انه ... من حيث الدلالة – يشير الى ان المرء ينبغي ألا يدخر شيئاً فوق ما يحتاج اليه،وهو البلاغ: اي الاستهلاك بقدر الحاجة، وهو امر يتطلب قناعة بما هو يسير، ... فاذا تجاوز ما هو فوق بلاغه يكون قد حمل نفسه مسؤولية هي: انفاق الزائد ... وبما ان المرء غالباً يحتفظ او يدخر ماهو فوق حاجته: حينئذ فان مسؤولية انفاقه على الاخرين ممن هم بحاجة الى المال او السلعة ونحوهما، بخاصة ان النصوص الشرعية الواردة في تفسير قوله تعالى: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" (سورة الذاريات19)، تقرر بان هذا الحق ليس ما هو الواجب كالخمس او الزكاة مثلاً بل المندوب من الانفاق، مضافاً الى النصوص المحذرة من ان يشبع المرء وجاره جائع مثلاً حيث تترتب المسؤولية على هذا الشبعان، ... هذه الدلالات التي يرشح بها النص المتقدم، اي: "لا تحملن على ظهرك فوق بلاغك" ، تعني: ان ما هو الزائد عن الحاجة تترتب عليه مسؤولية انفاقه بالنحو الذي أشرنا ... والآن مع معرفتنا بهذه الحقائق نتجه الى التعبير البلاغي عن الدلالات المذكورة وهذا يتمثل في عبارة "لاتحملن على ظهرك فوق بلاغك" حيث يتعين علينا الآن ملاحظة ذلك ...

قلنا: ان العبارة المذكورة هي (رمز) او (استعارة) بمعنى ان النص يحمل أو يرشح بدلالات متنوعة، في مقدمتها ان الظهر هو (رمز) لحمل الشيء عليه ... وبقدر ما يثقل الحمل يتضاعف اذى الحامل اي: بقدر ما يحمل المرء من مال او سلعة زائدة: يكون قد حقق مقدار أذاه وهو اذى يرمز الى المسؤولية التي يتحملها الساعي الى الزائد من الحاجة وذلك في انفاقها على المحتاج والجار وسواهما من الموارد ... من هنا فان النص المتقدم نجد قد اضطلع بجانب من تحليل هذا الرمز عندما قال:
فيكون ثقلاً ووبالاً بمعنى ان الثقل "وهو رمز لكبر حجم المسؤولية" و(الوبال) بصفته (عقاباً) يترتب على عدم الإنفاق ...

اذن: امكننا ان نتبين جمالية هذه العبارة التي اضطلعت بوظيفتين اولاهما: صياغة المسؤولية عبر جملة "لا تحملن على ظهرك فوق بلاغك" والاخرى: صياغة تفصيلية لنمط المسؤولية وهي: ما يترتب عليها من الجزاء اي العقاب المترتب على من حمل على ظهره فوق مايحتاج اليه .

بلاغة الحديث

ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن لا حرص له على الزائد من الحاجة، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.