نص الحديث
قال الامام زين العابدين عليه السلام: "أياك ومصاحبة الكذاب، فانه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد، ويبعد لك القريب" ...
دلالة الحديث
النص المتقدم ينطوي على ظاهرتين بلاغيتين، هما: التشبيه، والتضاد، وسوف نحدثك عنهما بعد قليل ... الاان ما يعنينا اولاً ان نحدثك عن الدلالة وهي: شخصية (الكذاب) حيث يشير الحديث الى ان الكذاب لاحقيقة لكلامه تماماً كالسراب الذي لاحقيقة له،.. ثم يستشهد (عليه السلام) بظاهرة التضاد لان من يحدثك بشيء أيجابي لا يمكن ان ينطوي في نفس الوقت على دلالة سلبية، فالبعيد لا يمكن ان يكون قريباً، والقريب لا يمكن ان يكون بعيداً ..
والآن الى الدلالة البلاغية للنص المذكور
لقد شبه النص الكذاب بالسراب، حيث نعرف بأن السراب هو: شيء لاحقيقة له، لانه يبدو للناظر بانه ماء من بعد، وعندما يقترب منه لايجد شيئاً.
والأهمية الفنية لهذا التشبيه هي: انه لم يستخدم اداة التشبيه: (كالكاف) أو (كأن) او (مثل) بل استخدم عبارة ( بمنزلة ) حتى يجعل الكذب والسراب متقاربين تماماً، لان التشبيه بألا ان لا يجعل من الشيئين وكأنهما شيء واحد، بل يجعلك تحس بالفارق بين عبارة (العلم كالنور) لان النور من مادة والعلم من مادة اخرى ولكن الكذب والسراب من مادة واحدة هي: عدم وجود الحقيقة في كليهما، فلا حقيقة لوجود الكلام المنقول ..
هذا من جانب ... واما من جانب آخر، فثمة نكتة بلاغية هي: الارتباط بين قسمي العبارة اي: القسم الذي يشبه الكذاب بالسراب، والقسم الذي يقرب البعيد ويبعد القريب ... فما هي نكتة ذلك ؟
النكتة اولاً هي: التضاد بين القريب والبعيد، فالمسافة البعيدة البالغة ما لا يحصى من المسافة، لا يمكن ان نحسبها قريبة منا، ... والتضاد – كما هو معروف – أحد اشكال المعرفة، فانت حينما تذكر الابيض وتقارنه بضده: الاسود) تكون قد أوضحت اهمية ما هو أبيض: كما هو واضح ...
واما النكتة الاخرى فهي: ان النص اعتمد ظاهرة التضاد بصفتها مجانسة للكذب، حيث ان الكاذب يضاد الصادق، واحدهما بعيد عن الاخر، لا وجود للقرب بينهما، وهذا ما ينسحب على عبارة "يقرّب لك البعيد" ويبعد لك القريب، فاذا اخبرك بوجود حريق في هذا المكان اوذاك مثلاً، مع ملاحظة عدم حدوث ذلك، يكون قد قرب اليك البعيد، او قرب ما لا وجود له اليك ... واذا كان العكس حيث حدث حريق فعلاً ولكن الكذاب زعم بعدم وجود الحريق، يكون بذلك قد أبعد لك القريب فالقريب هو وجود الحريق، والبعيد هو عدم وجوده، وهذا ما صنعه الكاذب.
بلاغة الحديث
اذن: تبين بوضوح اهمية العبارة التي رسمها الامام السجاد (عليه السلام) في تشبيهه الكذاب بالسراب، وبتوضيح انه يقرب البعيد، ويبعد القريب، بالنحو الذي ذكرناه.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا من الصادقين، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.