نص الحديث
قال الامام علي الهادي عليه السلام: "لو عقل اهل الدنيا: خربت" .
دلالة الحديث
الحديث اعلاه من الوضوح بمكان، ولكنه مشحون بالدلالة الملفتة للنظر، من حيث عمقها الغائب عن اذهان الناس... انه يقرر ببساطه بان البشر لو كانوا عقلاء حقاً: لما كانت الدنيا عامرة بما نشاهده من الاعمار،... ونقصد بالإعمار: كل ما هو محط اهتمام الانسان: بغضّ النظر عن نمط هذا الاعمار، حيث ان الله تعالى قرر بوضوح في نص قرآني كريم بان الناس قد عمروا دنياهم اكثر مما عمروا فيها ، اي: بذلوا من الجهد و العناد فيها اكثر مما حصلوا من الفائدة المترتبة على ذلك، وهذا يشبه من يقطع مسافة طويلة، وطاف الاقطار، وتحمل المشاق، ولكنه لم يربح شيئاً يعتد به... هذه من حيث الدلالة .... ولكن ماذا من حيث بلاغة الحديث؟ لنقرأه من جديد "لو عقل اهل الدنيا: خربت" ... نري ما هي السمات الفنية في العبارة المتقدمة؟ السمة الاولى هي: ان الحديث لم يقل "لو عقل البشر او الناس مثلاً" بل قال "لو عقل اهل الدنيا" ، وهذا ينطوي على سرّ فائق هو: ان المتشبث بالحياة الدنيا "وليس النابذ لها ولزينتها" لو كان عاقلاً: لخربت الدنيا،... اذن: ثمة نكتة في استخدام عبارة "اهل الدنيا" بدلاً من عبارة (الناس) او البشر،.... الخ اما السمة الثانية فهي: عبارة (خربت) ، حيث تحفل هذه العبارة بأسرار بلاغية يحسن بنا ان نلمّ بها و لو سريعاً... فماذا نلاحظ؟ اولاً: العبارة هي: استعارة وليست تعبيراً حقيقياً... واهمية هذه الاستعارة تتمثل في كونها تخلع طابع العمارة على موضوع معنوي هو: النبذ او التشبث بالحياة الدنيا،... وهذا يعني ان النص جعل الحياة الدنيا بمثابة دار او بيت أو قصر وهذا البيت او القصر: يتهدم و يتحول الى خراب لو ان البانين للبيت او المقتنين للبيت كانوا عقلاء، حيث ان العاقل لا يصرف مالاً على شيء يفقده أو يسبب ضرراً له:... فاذا نقلنا الحقيقة المادية المذكورة ( خراب البيت او القصر) الى الحقيقة العبادية وهي: ان الدنيا دار ممر وليس دار مقّر او ان الدنيا للزوال وليس للبقاء وان الدنيا جسر للآخرة: حينئذ نتبين بوضوح دلالة ما قررّه الإمام الهادي (ع) من ان الدنيا بمثابة بيت او قصر: سوف يخرب ويتهدم اذا كان المالك او الباني او المقتن عاقلاً، حيث لا يصرف أمواله من اجل مرور عابر ويترك ما هو الخالد والباقي من الحياة الآخرة...
بلاغة الحديث
اذن: اتضح بجلاء ما تعنيه عبارة: "لو عقل اهل الدنيا: خربت" حيث تجسّد استعارة لها عمقها من حيث التعامل مع الحياة الدنيا، والتعامل عن الحياة الآخرة ، وهو اثر نسأله تعالى أن يجعلنا واعين له، نابذين للحياة الدنيا، متجهين الى ممارسة العمل العبادي الذي خلقنا اجله، وهو: ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.