نص الحديث
قال الإمام الجواد عليه السلام: "ارفض الشهوات وخالف الهوى"
دلالة الحديث
الحديث المتقدم جاء في سياق عبارات استعارية مثل: (توسد الصبر) و(اعتنق الفقر)، ثم وردت هاتان العبارتان اللغويتان (ارفض الشهوات) (خالف الهوى)... والسؤال المهم هو: اولاً: ماالفارق لغوياً وبلاغياً بين عبارة (ارفض) وعبارة (خالف) ثم: مالفارق بين عبارة (الهوى) وعبارة (الشهوات)؟ ثم لماذا ارتبط مصطلح (ارفض) بالشهوات، بينما ارتبط مصطلح (خالف) بالهوى؟ هذه الاسئلة في غاية الأهمية لانها تتحدث عن اهم مبادئ السلوك المنهي عنه وهو: الشهوة والهوى، لذلك يتعين على قارئ الحديث ان يقف عند الاسرار البلاغية الكامنة وراء المصطلحات المذكورة حيث تتشابه من جانب، وتتفاوت من جانب آخر ... ونحدثك عن عبارة (ارفض الشهوات) اولاً .. فماذا نستلهم؟ ولكن يتعين علينا ان نحدثك عن عبارة (خالف الهوى) ايضاً: لعدم انفصام هاتين العبارتين عن بعضهما من حيث التماثل في الدلالة (المخالفة، والرفض) وهما بمعنى متماثل، ثم: الهوى والشهوات، وهما بمعنى متماثل ايضاً .. ولكنهما يفترقان: كما كررنا. من خلال تتبعنا للمصطلحات الشرعية وجدنا ان مصطلحي (الشهوة) و(الهوى) يستخدمان في سياق واحد احياناً ، ولكن في سياق خاص يفرق بينها ... ان (الشهوة) ترتبط غالباً بما هو عضوي كالشهوة الجنسية، وشهوة الطعام، الخ بينما (الهوى) يرتبط غالباً بما هو غير مادي: كالحب والبغض و... الخ لذلك عندما يقول النص (ارفض الشهوات) يستخدم عبارة (ارفض) اي: لاتقدم عليها مثل: لاتقدم على الطعام انصار مثلاً أو العملية الجنسية غير المشروعة ... واما بالنسبة الى عبارة (خالف الهوى) فان كلاً منهما يتسق مع دلالة الآخر، فمثلاً: اذا ارادت الشخصية بان تنال من المؤمن أو تهينه فعليها ان تخالف هواها، ... ان هواها (وهو معنوي) ايصال الاهانة الى المؤمن، ولكن على الشخصية ان (تخالف) هواها المذكور، اي بدلاً من توهين المؤمن عليها ان تضبط هواها، ولاتنصاع اليه بل تكبت ذلك في نفسها، وتكظم غيظها، وترغم ذاتها على الصمت أو على الاحسان بدلاً من الاساءة ...
بلاغة الحديث
اذن: تبين بجلاء السر الكامن من وراء عبارة (خالف الهوى) من حيث تجانسهما، وعبارة (ارفض الشهوات) من حيث تجانسهما على ما اوضحناه قبل قليل. ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى الطاعة، انه سميع مجيب.