نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام) عن الدنيا ومن يتشبث بها: لم تطله فيها ديمة رخاء، الا هتفت عليه مزنة بلاء.
دلالة الحديث
هذا النص جزء من حديث طويل للامام علي (عليه السَّلام)، وقد انتخبناه دلالياً وبلاغياً لأهمية ما تضمنه من علاقة الانسان بدنياه وآخرته، أو من حيث نسب الشدائد فيه أو الرخاء، حيث المح (عليه السَّلام) الي ان الشدائد هي بمثابة سحاب ماطر، بينما الرخاء هو بمثابة مطر ساكن، وما يعنينا، هو الصورة الفنية التي تنتسب الي ما يمكن تسميته بالرمز وهذا ما نحاول ان نحدثك عنه بشيء من التفصيل. من الواضح ان استخدام الرموز يظل اكثر دلالة من استخدام الصورة التشبيهية او الاستعارية او التمثيلية، طبيعياً ثمة سياقات تتناسب مع الصورة التشبيهية، واخري مع الاستعارية، وثالثة مع التمثيلية، وهكذا ولكن ايضاً ثمة سياقات تفرض الرموز كما هو طابع النص الذي نحدثك عنه. كيف ذلك؟
بلاغة الحديث
ان رمزي (الديمة) و (المزنة) يتصلان بالمطر من حيث كثافته او قلته وانعكاس ذلك علي التربة الزراعية وسواها، ومن الطبيعي ان المطر اذا كان غزيراً فهو افضل من المطر اذا كان نزراً، وهذا في سياق الرمز فحسب، والا ففي حالات المطر الغزير من الممكن ان تحدث ما هو المضاد بيد ان السياق هو الذي يحدد الدلالة، وبالنسبة الي نسب الراحة والشدة في الحياة الدنيا، نعلم جميعاً ان الدنيا محفوفة بالشدائد، وان الاخرة هي الحياة السعيدة فحسب، فاذا كان الامر كذلك يتعين علي الشخصية ان تتحرك من اجل الاخرة وليس من اجل الدنيا، بصفة ان الدنيا كما قرر الامام علي (عليه السَّلام) تغلب الشدائد فيها علي الراحة، ولذلك اوضح (عليه السَّلام) بان الراحة اذا قدرت لشخص ما فاتها لا تتجاوز المطر الساكن، بل حتي قطرات ذلك، حيث استخدم الامام (عليه السَّلام) مفردة (تطله) وهي تتجانس مع مفردة (طل) حيث وردت في القرآن الكريم في سياق (الوابل) والطل كما هو واضح. والمهم هو ان الامام (عليه السَّلام) يقرر - كما قلنا - ان الراحة اذا اطلت علي الشخص (ديمة) وهي المطر الساكن، فانها تهتف عليه (مزنة بلاء) وهو السحاب الماطر. والسر البلاغي يتمثل هنا في طرافة المقارنة اولاً بين الساكن والماطر من الظاهرة، ثم بين الاطلالة وبين الهتاف من جانب آخر، حيث ان الاطلالة هي الظهور العابر، بينما الهتاف هو علي العكس تماماً، انه الصيحة من البلاء، كما هو واضح. اذن امكننا ان نتبين بوضوح، مدي طرافة دلالة النص وبلاغته، سائلين الله تعالي ان يطفئ حب الدنيا في اعماقنا، وان يوفقنا الي الطاعة ً انه سميع مجيب.