نص الحديث
قال الامام الباقر (عليه السَّلام): اربع من كنوز البر: كتمان الحاجة، وكتمان الصدقة، وكتمان الوجع، وكتمان المصيبة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينتسب الي ما نطلق عليه: الصورة التمثيلية، وهو ما يمكن ان يتمثل في الاستعارة ايضاً، حيث انه في الحالتين يخلع طابعاً مادياً علي ظاهرة نفسية، اي: ان الظاهرة المادية هي (الكنز) حيث يعني: الثروة المادية المخبوءة، واما الظواهر النفسية فتمثل في عدم اظهار الاذي، اي: ممارسة الصبر حياله، وهو اهم بل هو محور السلوك العبادي حيث يتمثل في تأجيل الاشباع للحاجات أو ما يوضحه النص الشرعي قبالة النصوص الواردة في ميدان علم النفس العبادي (تأجيل الاشباع) متمثلاً في الصبر علي الطاعة والصبر عن المعصية والمهم في الحالات جميعاً ان نتجه الآن الي ملاحظة البعد البلاغي في الحديث.
بلاغة الحديث
ينطوي الحديث علي جملة ظواهر بلاغية، فضلاً عن كونه صورة (تمثيلية او استعارية) نجده يتسم بطرافة فنية في زواياه الاخري، وفي مقدمتها: 1- عنصر التكرار. 2- التجانس بين الوحدات المتكررة. وقد تسأل عن هاتين الظاهرتين ونكاتهما الفنية، ونجيبك قائلين: التكرار هو لعبارة (كتمان)، والتجانس هو الظواهر الاربع: الحاجة، الصدقة، الوجع، المصيبة. هنا نحسبك تتساءل من جديد، فتقول: ما هو التجانس بين الحاجة وبين المصيبة، او بين الوجع والصدقة؟ الجواب: التجانس في اللغة البلاغية المعاصرة يتجسد ليس في التماثل فحسب بل في التضاد، وفي التباين ايضاً، مادام ثمة من الخيوط الرابطة بين الموضوعات، اذن لنتحدث عن الخيوط الرابطة الآن. ان الظواهر الاربع (الصدقة، الحاجة، الوجع، المصيبة) تخضع جميعاً لألية نفسية واحدة هي (عدم اظهار الاذي)، وهذا السلوك من - الزاوية الشرعية - تترتب عيه آثار دنيوية واخروية، كما انه - من الزاوية النفسية، اي الصحة النفسية - تترتب عليه الآثار الدنيوية متمثلة في تحقيق التوازن النفسي قبالة الاضطراب النفسي الذي يصنع سلوك المرضي. ولنحدثك سريعاً عن كل منهما: 1- بالنسبة الي الزاوية الشرعية: فإن النصوص الواردة عن المعصومين (عليهم السَّلام) تشير الي ان من كتم صدقته ووجعه ومصيبته وحاجته، واتجه الي الله تعالي بدل من الاخرين: فان الله تعالي يحقق له انجاز ما يحتاج اليه من الصحة والغني، مضافاً الي الثواب الأخروي. المجال لا يسمح لنا الآن بايراد النصوص الواردة في توضيح درجات الاثابة اخروياً. 2- واما الزاوية النفسية: فمن الواضح بجلاء، ان الكتمان للاذي (كما سبق التلميح الي ذلك) يحقق للشخصية توازنها الداخلي بصفة ان الشاكي الي الآخر حاجته أو مصيبته أو مرضه، انما تقترن شكايته بالأذي النفسي، اي: انه يبذل جهداً عصبياً يؤثر في مخزون بنائه العصبي في الجملة، بحيث يرشح نفسه فيما بعد الي الوقوع في الامراض النفسية المتنوعة، بالاضافة الي الامراض الجسدية المتمثلة في القلب والضغط والسكر، حيث نعرف جميعاً الصلة بين ما هو نفسي وبين ما هو جسدي، والمهم في نهاية المطاف ان نشير الي نكتة بلاغية هي: ان الامام (عليه السَّلام) خلع طابع (الكنز) علي الكتمان. فما هو السر؟ السر هو ان الكنز يجسد ثروة لا يحتاج الشخص من خلاله الي اي مصدر لإشباعه، فيتحقق الإطمئنان النفسي وهو المطلوب.