نص الحديث
قال الامام الرضا (عليه السَّلام): التهنئة بأجل الثواب، اولي من التعزية علي عاجل المصيبة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتناول موقف الشخصية قبالة أحد المرتبطين بها ممن فقد عزيزاً، حيث يشير الحديث الي التهنئة والتعزية، مقارناً بين اهميتها، ولكن مع افضلية التهنئة، وهو توصية قد تبدو متقاطعة مع الاعراف السائدة وهي التعزية لأهل الفقيد، ولكن الاولوية هنا تتمثل في المقارنة بين الدنيا والآخرة، فما دامت الآخرة هي خير من الاولي، حينئذ فان انسحاب الدلالة المتقدمة علي فقدان العزيز، تتوهج بوضوح في الحديث المتقدم، انه لم ينف التعزية وضرورتها حيث يرسم المشرّع مبادئ متنوعة لهذا الموضوع لا مجال للحديث عنها الآن، ولكن الحديث يستهدف الاشارة الي ارفع مستويات الممارسة العبادية، وهو أمر يحتاج الي جانب من التوضيح، تتكفل العبارة بذلك، اذن: لنتحدث عن بلاغة الحديث.
بلاغة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة تشبيهية ولكنها واقعية، وقد المحنا مكرّراً الي ان التشبيه الفني لا يشرط فيه ان يكون كلاماً صورياً يرتكن الي التخيل في اقتناص الاطراف المتماثلة او المضاده بين ظاهرتين، بل ينسحب علي التشبيه الواقعي غير المرتكن الي التصوير ايضاً، وهذا ما نجده في تشبيه الامام الرضا (عليه السَّلام) حيث اعتمد التشبيه المتفاوت اولاً اي التشبيه الذي ينظر الي الاعلي او الادني بين طرفي التشبيه، حيث نلاحظ بان الامام (عليه السَّلام) استخدم ما هو اعلي وهو عبارة (اولي)، وقارن بين التعزية وبين التهنئة، وحصل الأولي اولي من الثانية، مستنداً الي اولوية الحياة الآخرة وثانوية الحياة الدنيا، كيف ذلك؟ ان الراحل الي الحياة الآخرة انما يرحل الي الله تعالي ويجاوره، وهل ثمَّة عطاء اكثر فخامة من هذا العطاء، من هنا فان الحاصل علي العطاء ينبغي ان يهنّأ علي ذلك لا ان يعزّي، لذلك المح الامام (عليه السَّلام) الي انك حين تهنئ الشخصية علي الرحيل يظل اولي من التعزية بالرحيل، وذلك لأن الرحيل تقرن بالعطاء الذي اشرنا اليه، بينما التعزية تظل في نطاق الفراق للحياة الدنيا ولا قيمة للحياة الدنيا، قبالة الآخرة. اذن امكننا ان نتبين جانباً من النكات الواردة خلف الحديث المذكور، سائلين الله تعالي ان يزهدنا في الدنيا وأن يختم حياتنا بالخير، وان يوفقنا الي ممارسة العمل العبادي، انه سميع مجيب.