نص الحديث
قال الامام الصادق (عليه السَّلام):الوضوء علي الوضوء نُّورٌ عَلَى نُورٍ.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتناول الوضوء: كما هو واضح ومن البين ان عملية الوضوء ذاتها تحمل من الدلالات والإثابة ما لا احصاء لها، بيد ان الحديث المتقدم لا يتناول الوضوء المشار اليه بل يضيف اليه معطي آخر هو: ما يترتب علي الوضوء المتكرر، بمعني انك تتوضأ ثم تكرر وضؤوك في وقت لاحق دون ان يكون حدث بينهما، وهذا ما عبر الحديث عنه «نُّورٌ عَلَى نُورٍ» وهو: تعبير بلاغي سنعرض له بعد قليل ولكنه دلالياً يستهدف الإشارة الي اهمية الوضوء المتكرر من حيث معطياته التي لا حدود لها حيث شبه ذلك بأنه «نُّورٌ عَلَى نُورٍ» وهو: ما يفصح عن الاهمية التي اشرنا اليها، ولكن: لننتقل الي بلاغتها التي تفصح عن الاهمية المشار اليها.
بلاغة الحديث
بما ان الوضوء اساساً هو: تطهير وتزكية وتصعيد لنقاء النفس، حينئذ فإن التأكيد عليه يعني، التأكيد لممارسة روحية كما هو واضح وما نستهدف الاشارة اليه هو الصورة التمثيلية التي رسمها الامام (عليه السَّلام) من توضيح هذه الدلالة، ونعني بها عبارة «نُّورٌ عَلَى نُورٍ» فأولاً: ان هذه العبارة (تناص) بحسب اللغة المعاصرة، أي هي تضمين او اقتباس او توكؤ علي نص او نصوص سابقة، حيث ان القرآن الكريم هو النص الاسبق في استخدامه لعبارة «نُّورٌ عَلَى نُورٍ» من سورة النور حيث قال تعالي: نُّورٌ عَلَى نُورٍ، «...نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء»، وهي آية كريمة تتحدث عن عظمة الله تعالي بأنه نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وان «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ».
ان صورة «نُّورٌ عَلَى نُورٍ» بالإضافة الي (تناصها الذي اوضحناه) تفصح عن البلاغة الفائقة التي يستلهم قارئ الحديث منها: دلالة الممارسة المترتبة علي تكرار الوضوء، فمادام (النور) رمزاً لكل ما هو خير: كالإسلام، والإيمان، والتقوي، والطاعة، حينئذ فإن الوضوء مادام ممارسة عبادية يظل تعبيراً عن الخير وعن الطهارة والنقاء، وعن التصاعد الروحي، فاذا أضفنا الي ذلك عبارة «عَلَى نُورٍ» حينئذ نستخلص مدي ضخامة ما يترتب علي تطهير النفس او القلب من المعطيات العبادية بما لا حدود لذلك.
اذن امكننا ان نتبين مدي ما تتضمنه عبارة: الوضوء علي الوضوء نُّورٌ عَلَى نُورٍ، من دلالة وبلاغة فائقة من حيث صلتها بتطهير النفس سائلين الله تعالي ان يوفقنا الي ذلك والي ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.