نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من ألقي جلباب الحياء لا غيبة له.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتناول ظاهرتين هما: الغيبة والحياء.
الاولي: منهي عنها.
والثانية: مندوب اليها.
اي: ان الغيبة محرمة، والحياء واجب، بيد ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرضهما في سياق الحياء، بمعني: انه (صلى الله عليه وآله وسلم) تحدث عن الحياء وعدمه، واشار الي ان عدم الحياء لا غيبة لصاحبه: مع ان الغيبة بنحو عام محرمة.
اذن: كيف طرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الظاهرة؟
من البين، ان الغيبة (وهي: سر كشف ما هو ليس شائعاً لدي سائر الناس) عمل محرم، وذلك لسبب واضح هو: ان الكشف لما هو مستور ينطوي علي جملة محذورات، منها: ان الكشف قد يتسبب تشجيعاً لدي الآخر: بخاصة ان الآخرين يعرفون ظاهر الشخصية من حيث كونها ليست فاسقة، فاذا ظهر لهم عكس ذلك، فإن ضعفاء النفس سوف يتمارون مع انفسهم قائلين: مادام هذا المعروف باستقامة سلوكه قد سلك طريق المعصية: فلنكن نحن العاصين بدورنا واما: المفارقة الاخري فتترتب علي تشويه السمعة وهو ما لم يرده الله تعالي لانه تعالي يحب الساترين، وهو خير الساترين.
إلا ان هذه القاعدة العامة لها استثناء هو: ان من يتجاهر بفسقه: لا غيبة له، وذلك لأنه اساساً مفضوح، ثم: لأنه معروف بفسقه فلا يترتب عليه ضرر التشجيع.
والسؤال الآن هو: ما هي المعصية الظاهرة التي لا غيبة لصاحبها؟
انها عدم الحياء، بمعني ان من لا يستحي يتظاهر بفسقه: فلا غيبة له. هذا من الزاوية الدلالية ولكن ماذا من زاوية بلاغة الحديث؟
بلاغة الحديث
تتمثل بلاغة الحديث في ارتكانه الي الصورة الاستعارية، اي: اضفاء صفة اللباس علي الشخصية الفاسقة، حيث اوضح (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة عليه، وذلك لإستهتاره، بيد ان السؤال هو: عن بلاغة هذه الإستعارة المتمثلة في من خلع لباس الحياء، حيث انتخب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صفة خلع الجلباب علي من لا حياء له وذلك لأن الجلباب هو ساتر، فاذا الشخص، حينئذ اصبح ليس بمستور، فلا مانع حينئذ من استعابته لأنه اساسا لم يستر نفسه بجلباب بل خلعه، ولذلك اصبحت استغابته مسوغة دون ادني شك.
اذن اتضح لنا مدي جمالية ودقة هذه الاستعارة الرابطة بين خلع الملبس الساتر وبين العاصي الخالع لما هو ساتر.