نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): ان اقبلت علي الدنيا، ادبرت، انك ان ادبرت عن الدنيا اقبلت.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي علي نكتة بلاغية هي: التضاد، أو التضاد المتقابل، اي ثمة تضادان، ولكنهما متضادان ايضاً علي نحو ما سنحدثك عنه، لكن قبل ذلك يتعين علينا ان نحدثك دلالياً قبل ان نتناول ذلك جمالياً.
اذن ماذا نستلهم من الحديث؟ الحديث من الوضوح بمكان كبير إلا انه الآن ذاته من العمق بمكان كبير. كيف ذلك؟ من البين ان الدنيا والاخرة (كما ورد في النصوص) ضرتان، أو متضادتان اساساً، اي من اراد الاخرة ترك الدنيا، ومن اراد الدنيا ترك الاخرة. طبيعياً قد يجمعهما الله تعالي لشخص او لجماعة، ولكن وفق متطلبات حكمته تعالي: كما ورد النص حيال ذلك بيد ان القاعدة العامة (ولكل اسثناء) هي: التضاد بين الدنيا والاخرة، وذلك لسبب واضح، هو ان الدنيا دار امتحان واختبار، والاختبار يتطلب تأجيلاً لإشباعات الانسان، إنه يماثل الاختبار المدرسي الذي يتطلب تأجيلاً للراحة من أجل التحضير، ومن ثم يتسلم الطالب نجاح الموقف او الرسوب وفي ضوء هذه الحقيقة رسم لنا الامام علي (عليه السَّلام) كلاماً بلاغياً استمده من طبيعة الدنيا والاخرة حيث انهما متضادتان، فأتكأ (عليه السَّلام) علي ظاهرة (التضاد) في تقرير الحقيقة المتقدمة فقال: "ان اقبلت علي الدنيا، ادبرت، وان ادبرت عن الدنيا، اقبلت".
بلاغة الحديث
الاقبال والادبار يعني: التوجه والسعي نحو الشيء او التخلي عنه، وبالنسبة الي الدنيا اوضح الامام (عليه السَّلام) بأن من تركها: اقبلت عليه، ومن اقبل عليها: تركته.
تري، ما هي التضادات التي نلاحظها في هذا الميدان:
1- التضاد بين الدنيا والاخرة.
2- التضاد بين الاقبال والادبار.
3-التضاد بين الادبار والاقبال.
والنكتة هي الاقبال علي الشيء يستتلي عادة، الظفر به مادمنا نعرف بأن السعي هو المطلوب لإنجاز الحاجة، وهذه من الوضوح بمكان، فإذا لاحظنا بإن التعامل مع الدنيا يقف متضاداً مع القاعدة المذكورة، حينئذ تبرز النكتة بلاغياً ألا وهي: ان التعامل مع الدنيا يأخذ قاعدته المشار اليها في حالة ما إذا تعومل حيالها من خلال المهمة العبادية للانسان، اي اداء الوظيفة العبادية التي تعني التعامل مع الله تعالي فحسب واما في حالة التضاد فان التضاد يفرض ما هو عكس ذلك، اي يصبح السعي نحو الدنيا محظوراً، والعكس هو الصحيح، بحيث ان عدم السعي حيالها يستتبع سعيها هي )اي الدنيا) حيال التارك لها، وهذا هو: موقع النكتة الأشد اهمية، مما يتعين علينا ترك الدنيا والسعي الي الآخرة حتي يتحقق الاشباع المطلوب، سائلين الله تعالي ان يجعلنا كذلك، وان يوفقنا الي الطاعة انه سميع مجيب.