نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): ما اكتحل احد بمثل مكحول الحزن.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد تقريراً صحياً من الزاوية النفسية، انه يتناول ظاهرة (الحزن). بيد ان الحزن نمطان، احدهما: ايجابي، وهو ما ذكره الامام علي (عليه السَّلام) والآخر (سلبي) وهو ما يرتبط بالمرض النفسي، ونعني به ما يطلق عليه علماء النفس (بمرض الكآبة) حيث ان الحزن المرضي احد مصاديقه ألا وهو الغم والهم الدنيوي، ولذلك رسم المشرع الإسلامي لأمثلة هذا الحزن السلبي علاجاً كيميائياً هو: اكل العنب الاسود. ولكن الحديث الذي عرضناه الآن وهو (ما اكتحل احد بمثل مكحول الحزن) علي عكس الحزن المرضي انه حزن ايجابي يندب اليه الشرع، لانه يتصل بما هو عبادي كأحساس الانسان بتقصيره وقصوره وتذكره الموت والحساب والعقاب. حيث يحمله مثل هذا الحزن علي تعديل سلوكه العبادي، وهو المطلوب وفي ضوء هذه الحقيقة رسم لنا الامام علي (عليه السَّلام) عبارة بلاغية نستطيع من خلالها ان نعمق معرفتنا بأهمية الحزن العبادي ألا وهي عبارة (ما اكتحل احد بمثل مكحول الحزن) حيث صيغت العبارة المتقدمة من خلال التشبيه المتداخل مع الاستعارة، فالتشبيه هو: الكحل الطبيعي وتشبيهه بكحل الحزن، واما الاستعارة فهي: (كحل الحزن) حيث خلع الامام (عليه السَّلام) طابع (الكحل) وهو مادة كيميائية علي (الحزن) وهو احساس نفسي، والسؤال هو: ما هي النكات البلاغية الكامنة وراء الصورة المتقدمة؟
بلاغة الحديث
لقد انتخب الامام علي (عليه السَّلام) طابع (الكحل) كما قلنا، والكحل هو: زينة للعين كما هو واضح، وهذا يعني: ان الحزن العبادي هو زينة وليس بؤسا كما هو طابع الحزن الدنيوي وتتمثل اهمية هذه الصورة بكونها قد انتخبت العين من اعضاء الانسان دون سواها، لان (العين) هي: ابرز معالم الجمال للشخصية بمعني ان الخد أو الأنف او الشفة الخ... لا ترقي - من حيث البعد الجمالي - الي جمال (العين) كما هو واضح. من هنا جاءت الاستعارة بـ (الكحل) الذي هو مادة للزينة في العين متجانسة تماما مع مفهوم (الجمال) البشري: كما هو واضح ايضاً. يضاف الي ذلك، فإن التضاد بين الحزن الذي هو في التصور الدنيوي ينتسب الي الشدة، بينما هو في التصور العبادي ينتسب الي الفرح، يظل هذا التضاد بين الحزن وبين الكحل وهو: مضاد للحزن، من الأدوات الفنية التي تخلع علي العبارة طابعاً جمالياً بالنحو الذي اوضحناه.