نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): الغني في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسّد تقريراً له أهميته وفاعليته في ميدان السلوك، ومنه: السلوك المرتبط ببيئة الانسان ان الله تعالي اوضح بجلاء ان الارض جميعاً لله تعالي، وندب الناس الي ان يسيحوا في الارض بغية استمرارية عيشهم، فقال: «فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ». ان الرزق – كما كررنا - في لقاءاتنا السابقة - هو المادة التي يستطيع بواسطتها الانسان مواصلة عمله الخلافي او العبادي، من هنا أُمرنا ان نعني بتحصيله، وفي مقدمة ذلك، السعي في الارض، وتحقيق ما يتطلع إليه الانسان من وراء ذلك، ان الانسان ليطلب الغني، اي: ما يكفيه وليس تضخيم دخله الفردي، ويتهرب من الفقر اي الفقر المدقع الذي يحجزه عن مواصلة عمله العبادي، وليس الفقر العادي، وفي ضوء هذه الحقيقة، يتجه حديث الامام عليّ (عليه السَّلام) ليشير الي حقيقة، هي: ان الوطن الحقيقي للانسان ليس هو تشبته بأرض خاصة يتخذها سكنا، بل الوطن هو ما يحقق للشخصية تمكنّها من تحصيل الرزق الذي تعتمد عليه في استمرارية ممارستها للعمل العبادي، وإلاّ فإن الوطن لا يتحدد في المفهوم الجغرافي الذي اعتاد المجتمع العلماني علي تسميته.
من هنا، نجد ان الامام علي (عليه السَّلام) قدم صورة تمثيلية لمفهوم الوطن هو: الغنى والفقر، فحيث يتحقق الغنى يتحقق الوطن حقيقة، وحيث يعّم الفقر فلا وطن للانسان. كيف ذلك؟
بلاغة الحديث
(الغني في الغربة وطن) و(الفقر في الوطن غربة).
هاتان عبارتان صوريتان تمثيليتان تنطويان علي اسرار بلاغية فائقة، فالوطن لغة هو محل السكن، ولابدّ من محل السكن، الاقامة واستمراريتها، فاذا لم تتحقق الاستمرارية فلا وطن، ولا تتحقق الاستمرارية إلا من خلال التمكن ّ المادي المتمثل في حصول الرزق، ولذلك فإن الحاصل علي الرزق يمتلك وطناً، حتي لو عاش بين الغرباء، والعكس هو الصحيح، فمن الممكن ان يحيا الانسان بين اصحابه وأقاربه والمواطنين جميعاً ولكنه لا مكنة مادية لديه، حينئذ فإنه (غريب) بين هؤلاء الذين يحيا بين ظهرانيهم، لماذا؟
السبب واضح هو: عدم امكانية الاستقرار واستمرارية العيش بين قومه، انه (غريب) بينهم لانه فاقد لمتطلبات المواطنة ألا وهي: استمرارية العيش: كما هو واضح.