نص الحديث
قال الامام زين العابدين (عليه السَّلام): الصبر من الايمان، بمنزلة الرأس من الجسد.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم صورة تشبيهية، تعتمد اداة تعويضية هي كلمة (بمنزلة) بمعني (مثل).
والمهم هو: دلالة الحديث المذكور اولاً، ثم: بلاغته من حيث الدلالة يظل (الصبر) جوهر السلوك البشري القائم علي تأجيل الشهوات، اي: بما ان الشخصية البشرية لا يمكن لها ان تشبع جميع حاجاتها المشروعة وغير المشروعة: نظراً لطبيعة الحياة التي لا تسمح بذلك، حينئذ فإن التأجيل لإشباع الحاجات يظل هو القدر الوحيد للانسان، فالشخص الذي يفقد ولده مثلاً او يمرض مرضاً عضالاً او يفتقر فقراً مدقعاً الى آخره، لا سبيل له في تلافي ما حصل له إلا الصبر علي الشدائد المذكورة وكذلك، لا مناص للصبر علي ممارسة الواجب من الممارسات المطلوبة، ففي مستوي الممارسة العبادية لا مناص من الصبر علي مقاومة الحرام من الممارسات ولا مناص من الصبر علي ممارسة الواجبات من صوم وصلاة وغيرها.
اذن الصبر هو القدر الوحيد للانسان المؤمن بخاصة، وهذا ما عبّر الامام (عليه السَّلام) عنه بأن الصبر هو لبّ الإيمان، وشبهه بالرأس من الجسد، وهذا التشبيه هو: ما يجسّد بلاغة الحديث فيما آن لنا ان نحدثك عنه.
بلاغة الحديث
ماذا نستلهم من التشبيه القائل بأن الصبر من حيث علاقته بإيمان الانسان مشابه لرأس الانسان من حيث علاقته بجسده؟
واضح، ان الرأس هو: المعلم للشخصية من حيث المظهر الخارجي، وهو: مركز الجسد من حيث الوظائف الحيوية، حيث ان مراكز الجسد تنتظم في المخ، وهو ينظم جميع المهارات العقلية والنفسية والجسمية، كما هو واضح. فاذا طار الرأس أو شوه او جرح، حينئذ فإن كيان الشخصية يتلاشي اساساً بمقدار ما يفقده من الرأس كلا او بعضاً.
من هنا يجئ التشبيه للصبر بالرأس دقيقاً كلّ الدقة، وطريفاً كلّ الطرافة، وذلك بسبب المماثلة بين الموضوعين، حيث ان الايمان بالله والالتزام بمبادئه الإيمان يتطلب صبراً علي المعصية وصبراً علي الطاعة، فاذا فقد الانسان صبره وجزع أو مارس المعصية ولم يبال بمقاومتها، اصبح تماماً كمن فقد رأسه، فلا يبقي للجسم معني ما، كما هو واضح، وهذا يعني ان من لم يمارس الصبر يفقد ايمانه، ويصبح عاصياً، ومن ثم يتحدد مصيره السلبي في الدار الآخرة، وهو الخسارة العظمي اعاذنا الله تعالي من ذلك.