إخفاق حفتر في تحقيق نصر حاسم في طرابلس وغريان، حتى بعد استعانته بالمرتزقة الروس والطيران الأجنبي دفعه للبحث عن أي نصر وبأي ثمن، قبيل انعقاد مؤتمر برلين حول ليبيا، المقرر في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لذلك قام بشن هجوم واسع ومتواصل طوال أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، على المنطقة الرخوة لقوات الوفاق في العزيزية، مركز منطقة ورشفانة (45 كلم جنوب طرابلس)، المعروفة بولائها لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، والمتحالفة مع حفتر.
كما شمل الهجوم معسكر اليرموك، أحد أكبر معسكرات العاصمة، الذي يمثل إحدى نقاط الارتكاز لقوات الوفاق في دفاعها المستميت عن وسط طرابلس، رغم أنه خالٍ من الداخل لسهولة استهدافه من الطرفين.
وتجري داخل معسكر اليرموك وحوله، معارك كر وفر بين الطرفين؛ نظرا لأهميته الاستراتيجية والرمزية، حيث تقع خلفه مباشرة منطقة صلاح الدين، القريبة من وسط العاصمة.
كما تقدمت قوات حفتر في منطقة الخلاطات شمال المطار القديم، وعبر محور الكازيرما، لكنها جوبهت بمقاومة عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة.
وعادة ما تحقق قوات حفتر بعض الاختراقات نحو وسط العاصمة بسبب تشعب مداخلها، لكن سرعان ما تقوم قوات الوفاق بسد هذه الثغرات، وإبعاد القوات المهاجمة كيلومترات إلى الوراء.
وفي محور الطويشة، تمكنت قوات حفتر من الزحف نحوه انطلاقا من المطار القديم (25 كلم جنوبي العاصمة)، ويبدو أنها استولت على أجزاء واسعة منه، قبل أن تتمكن قوات الوفاق من استعادة أغلب أجزائه.
لكن المعركة الرئيسية لقوات حفتر، تستهدف بشكل أساس السيطرة على العزيزية، لقطع طريق الإمدادات عن غريان، وفتح جبهات جديدة في القوس الغربي للمعركة، الذي سبق أن أغلقته قوات الوفاق بعد سيطرتها على غريان، مركز منطقة الجبل الغربي، في 26 يونيو/حزيران الماضي.
كما أن خطوط الإمداد لقوات حفتر تعرضت لضغط شديد بعد قطعها على مستوى مناطق عدة، على غرار الهيرة والسبيعة وسوق السبت، فضلا عن قصف طيران الوفاق لخطوط الإمداد البعيدة في ترهونة ومزدة والشويرف والجفرة.
وبعد إعلان قوات حفتر في 10 أكتوبر المنصرم، سيطرتها على بلدة السبيعة الاستراتيجية (45 كلم جنوب طرابس) الواقعة على الطريق الرئيسي لإمدادات القوات المتحصنة بالمطار القديم ومحيطه (25 كلم جنوب طرابلس)، تقدمت هذه القوات نحو العزيزية للسيطرة عليها.
وفي حالة تمكن قوات حفتر من السيطرة فعليا على منطقة ورشفانة، فإن غريان ستصبح شبه محاصرة من جميع الاتجاهات؛ ما يحرمها من وصول الإمدادات من محوري العزيزية وحي السواني (35 كلم جنوب غربي طرابلس) إذا تعرضت لهجوم مباغت، رغم أن موقعها الجبلي يمنحها أفضلية في الدفاع.
ورغم إعلان قوات حفتر سيطرتها على العزيزية، إلا أن قوات الوفاق أكدت على لسان قائد غرفة عملياتها الميدانية أحمد بوشحمة، أنها ما زالت تسيطر على جميع مواقعها في العزيزية وكوبري (جسر) الزهراء.
وهذا التضارب في الأنباء يعكس حالة الكر والفر بين الطرفين، خاصة أن العزيزية تقع في سهل الجفارة، ولا توجد بها موانع طبيعية تعيق طريق المهاجمين، بل تتيح طرقها الزراعية اختراقها بسهولة، لكن المدافعين لديهم أسبقية التحصن بالأبنية والسكنات واستهداف قوات حفتر (المكشوفة) بالمدفعية.
وفي ظل تركيز قوات حفتر على الهجوم انطلاقا من محيط المطار وعلى العزيزية، تمكنت قوات الوفاق من تحقيق بعض التقدم في محور عين زارة، الذي يمثل رأس حربة لقوات حفتر، وأقرب نقطة نحو وسط العاصمة.
إذ سيطرت قوات الوفاق على بعض النقاط المتقدمة لقوات حفتر في عين زارة، مثل سوق غزة، والاستراحة الحمراء، وعمارات العظم، وبعض الأحياء السكنية، وطريق الأبيار، وجامع طيبة، كما أسرت العديد من عناصر مليشيات حفتر، واستولت على بعض آلياتهم.
واستعانت قوات الوفاق بالطيران والأسلحة الثقيلة والمتوسطة في تحقيق تقدمات مهمة في محور عين زارة، لكنها لحد الآن ليست حاسمة.
ويسابق حفتر الزمن للسيطرة على العزيزية، قبيل انعقاد مؤتمر برلين، الذي قد يكون حاسما في تحديد توجه المجتمع الدولي تجاه حل الأزمة الليبية.
ومصدر القلق الأول لحفتر أن يخرج المؤتمر بقرارات تجبره على وقف إطلاق النار، وربما الانسحاب إلى ما وراء خطوط 4 أبريل/نيسان الماضي، عندما أطلق هجومه على طرابلس.
ومن المتوقع أن يجدد مؤتمر برلين دعمه لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وقد يدين استهداف طيران حفتر والدول الحليفة له للمدنيين، على غرار مجزرة الفرجان، الذي خلف مقتل ثلاث شقيقات صغيرات وإصابة أختهن الرابعة وأمهن، ولاقى إدانة داخلية وخارجية واسعة.
وهذا ما يفسر شدة الموجة الجديدة لهجمات قوات حفتر على طرابلس، ومحاولتها السيطرة على أحياء مكتظة بالسكان مثل صلاح الدين لاستخدام المدنيين دروعا بشرية، وتثبيت وجودها حول قلب العاصمة كأمر واقع يصعب تغييره إلا بتكلفة بشرية عالية، خاصة في صفوف المدنيين.
أما العزيزية، فتعتبر المهمة الأسهل بالنسبة إلى قوات حفتر، لكنها جوبهت بمقاومة شرسة من قوات الوفاق، ما أجل الحسم، في حين ما زالت معركة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) مؤجلة بعد أن هددت قوات "بركان الغضب" باقتحامها أكثر من مرة عبر الاستعانة بقوة حماية ترهونة.