إن العاجز عن الفحص بنفسه ليس له إلا الرجوع إلى أهل الخبرة، فإن الشيعة في عصور حضور الأئمة (عليهم السلام) كانوا كثيراً ما يرجعون إليهم (عليهم السلام) لتعيين من يرجعون إليه في أمر دينهم ، كما أشرنا إلى ذلك في (مقال: تقليد الفقهاء كان موجوداً في زمن الأئمة).
أما في عصر الغيبة وتعذر الرجوع لهم (عليهم السلام) فليس هناك شيء أقرب وأوصل من الرجوع لأهل الخبرة، وهم الذين بلغوا من العلم مرتبة تؤهلهم للتمييز بين المجتهدين، بعد الاطلاع على آرائهم العلمية في الأصول والفقه، وعلى طريقة كل منهم في الاستدلال، ومدى فهمه للأدلة، حيث قد يتضح لهم الأعلم حينئذ، فتجوز لهم الشهادة في ذلك، ويقبل قولهم.
نعم لابد من ابتناء شهادتهم على إحاطتهم بآراء أطراف التفاضل ومبانيهم العلمية وطرائقهم في الاستدلال ونحو ذلك، ولا تكفي القناعات والظنون غير المبتنية على ذلك، فضلاً عن المؤهلات الأخرى للمرجع غير العلمية.
الاعتماد على الحدس في تعيين الأعلم
لا يجوز للإنسان الاعتماد على حدسه لعمل نفسه بأن يقلد اعتماداً على الحدس، لأنه من أتباع الظن والعمل به الذي تظافرت الآيات والأحاديث بالمنع منه، وأنه لا يغني من الحق شيئاً. إلا أن يبلغ مرتبة القطع واليقين، فيجوز.
كما لا يجوز له الاعتماد على حدسه من دون فحص عن حال الآخرين في الشهادة للغير بأعلمية شخص ليقلده، إذ لابد في الشهادة من اليقين عن حس وممارسة، قال تعالى: (أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) (الزخرف – ١٩).
وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «هل ترى الشمس؟! على مثلها فاشهد أو دع» (وسائل الشيعة: 18 / 251.)
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك» (وسائل الشيعة: 18 / 235.).
بل لا يجوز للغير الاعتماد على الشهادة الحدسية حتى لو كان الشاهد ـ من أهل الخبرة ـ قاطعاً في حدسه متيقناً، بل يشترط في حجية الشهادة الحسّ.