نص الحديث
قال النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم): شرّ الناس من باع آخرته بدنياه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم واضح الدلالة، ولكن الملفت للنظر هو: استخدام الحديث لكلمة (الشّر) حيث وصف الشخصية التي تؤثر الحياة الدنيا علي الآخرة بأنها (شرّ الناس)، اي: ان قارئ الدعاء من الممكن ان ينتقل ذهنه من عبارة (شرّ) الي أية شخصية تمارس سلوكاً شريراً كالسرقة والزنا والخمر والغيبة الى آخره، ولكن اطلاق (الشرّ) علي البائع آخرته بدنياه من الممكن ان يستوقف القارئ للدعاء اذا لم يكن متأملاً بدقة.
لا ترديد في ان البائع لآخرته بدنياه، يعني انه خالف اوامر الله تعالي، ومن يخالف اوامره فهو شريّر دون ادني شك فالسارق والزاني وشارب الخمر، انما سمّوا اشراراً لأنهم مارسوا سلوكاً لم يرتضيه الله تعالي، أي: خالفوا اوامر الله تعالي، ومما لا شك فيه ان من يبيع اخرته بدنياه يكون اكثر المخلوقات شراً لأن الدنيا هي المحرك لمن لا دين له في شهواته بمعني ان المتشبث بالدنيا يمارس كل المعاصي ليس الكذب والسرقة والزنا والغيبة الى آخره بل جميع ما نتصوره من المعاصي، ولذلك يكون شرّ الناس: بهذا المعني الذي اوضحناه.
والآن نتجه الي بلاغة الحديث، وهو ما يضفي عمقاً علي الدلالة التي ذكرناها.
بلاغة الحديث
الملاحظ ان النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استخدم الاستعارة عنصراً لتوضيح وتعميق الدلالة التي ذكرناها، حيث خلع طابع (البيع) علي الشخصية المتشبثة بالحياة الدنيا، وهي استعارة بالغة الأهمية وبالغة العمق والطرافة، كيف ذلك؟
واضح ايضاً، ان البيع هو عملية تعويض سلعة باخري او ساعة بثمن خاص، وعندما يبيع الدنيوي آخرته وهي الدار الأبدية الخالدة التي يجاورها الانسان، الله تعالي يبيعها بدار فانية، حينئذ فلا تتصور الخسارة البتة انها خسارة فادحة تفوق أية تصورات حيالها، فالدنيا بسنواتها المعدودة لاتقاس بالآخرة التي لاحدود لأمدها، انها حياة خالدة، فما اشد الخسارة اذا ما باعها الانسان بدنيا لها عمرها المحدود ومتاعها العابر؟
اذن ما أعمق واطرف هذه الاستعارة التي استخدمها النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟