نص الحديث
قال الامام الصادق (عليه السَّلام): الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله تعالي.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من الوضوح بمكان كبير، حتي ان قارئ الدعاء لا يحسب بأن هذا الحديث يحتاج الي التعقيب عليه، ولكننا لا نري ذلك بل ان وضوح الحديث لا ينفصل فيه عن عمق دلالته التي قد تكون مضببة المهم، يتعين علينا ان نحدثك عن هذا، ونبدأ لنحدثك عن دلالته، ثم بلاغته متمثلة في الصورة التشبيهية التي قدمّها الامام الصادق (عليه السَّلام)، حيث قارن بين الكاد علي عياله وبين المجاهد في ساحة القتال. والسؤال الآن عن الدلالة، فماذا نستلهم؟
بلاغة الحديث
لعل الحديث عن دلالة النص المذكور لا ينفصل عن بلاغة ذلك، لأن المقارنة بين الكاد علي عياله وبين المجاهدين في سبيل الله، تتظافر دلالته وبلاغته من نفس التشبيه. اذن لنتحدث عن ذلك، فنقول: بالنسبة الي الجهاد يظل الموضوع لا افضلية عليه من سائر السلوك العبادي، لأن الاحاديث الشرعية ذاتها تقررّ ان فوق كل طاعة طاعة، ولكن لا طاعة فوق الجهاد او القتل، والسّر واضح في ذلك، لأن الانسان يتركب من جملة دوافع وحاجات وغرائز، حيث تظل الحاجة الي الحياة، اقواها، لأن سائر الحاجات لا قيمة لها اذا لم تكن هناك حياة تنظمها، والآن مع معرفتنا بأن الحاجة الي الحياة، ثم الامن، تظل في مقدم حاجاتنا حينئذ عندما يشبّه الامام الصادق (عليه السَّلام) هذه الحاجة بمن يكد علي عياله او العكس كما هو الملاحظ، حينئذ نتساءل: ما هي العناصر المتوازنة في (الموقف)، أي التشابه بين الكاد علي عياله وبين المجاهد؟
من البيّن، ان العائلة تتألف من اب وام واطفال، ومع معرفتنا بأن الرجال قوامّون علي النساء، حينئذ فإن المرأة والاطفال لا معيل لهم إلا الرجل، واذا عرفنا ان (الحاجة الي الحياة) لا يمكن اشباعها او بالاحري لا يمكن استمرارية الحياة بدون المطعم والملبس والمسكن... الى آخره، وعندئذ فإن الرجل حينما يوفرّ هذه الاشباعات يكون بذلك قد احيا العائلة، اي: ان (الحاجة الي الحياة) وهي اقوي الحاجات قد توازنت لدي كل من الكادّ والمجاهد، هذا وفر الحاجة، وذلك ضحّي بها من أجل ما هو اعلي ألا وهو رضاه تعالي، والكاد علي عياله كذلك، انه يتعب نفسه، ويضحّي براحته من اجل ما هو اغلي وأحب من (الذات) و(الانا)، ألا وهو رضاه تعالي. اذن يشترك الكاد والمجاهد في التضحية مع ملاحظة ان احد انماط التضحية، هو العمر، والآخر، هو الراحة.
اذن امكننا ان نتبين مدي جمالية وعمق التشبيه الذي قدّمه الامام الصادق (عليه السَّلام) في المقارنة بين الكاد والمجاهد، حيث تظل (الحاجة الي الحياة) منسحبة علي الشخصين المذكورين، مع الفارق بينهما، حيث يضحي ّ احدهما بالحاجة المذكورة من اجل الغير، ويحقق الآخر تلكم الحاجة لسواه، اي: ان كليهما يعمل لا لذاته بل من اجل الله تعالي.