نص الحديث
قال الامام الحسن العسكري (عليه السَّلام): جعلت الخبائث في بيت، وجعل مفتاحه الكذب.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من النصوص المتسمة بما هو في صميم ما يحياه الانسان من حيث الغالبية، ونعني به: ممارسة الكذب مطلقاً، حيث رسم له الامام العسكري (عليه السَّلام) صورة فنية هي: التمثيل او الاستعارة. ان مجتمعاتنا - في الغالب - تمارس خطيئة الكذب دون ان تفقه دلالته المفصحة عن مرض الشخصية وانتسابها الي احد الانماط التي يضعها علماء النفس العياديون في قائمة الامراض.
المهم، ان الكذب من حيث التعريف بحقيقته هو: عدم واقعية ما يصدر من الكلام، وهو مع ظاهرة النفاق، التي تعني استبطان الانسان خلاف ما يظهره تنتسبان الي خانة واحدة من الامراض. طبيعياً، لو قدر ّ بان يغلب الكذب سلوك الناس: لما امكن البتة ان يستمر المجتمع الانساني في الحياة، لأن الكذب معناه: عدم ثقة الشخص بالاخر، فاذا كان الكذب من جميع الاطراف: حينئذ لا يستطيع الانسان ان يثق بأية معاملة مادية او معنوية، ويضطرب كيان المجتمعات. لذلك، نجد ان الامام (عليه السَّلام) قد رسم صورة استعارية او تمثيلية تجسد ّ واقع هذه الممارسة الخبيثة، حيث جعلها الامام بيتاً للخبائث او جعل مفتاح الخبائث هو الكذب.
لماذا؟ السبب هو ما اوضحناه ولكن يجب ان نضع في الاعتبار ان لكل قاعدة شذوذها، أو الإستثناء: لذلك فإن الكذب نافع في حالات استثنائية هي: الاصلاح بين الناس كما لو ذهبت الي احد المتخاصمين وقلت له ان خصمك يحبك ّ مثلاً ويحترمك... الى آخره، أي: فقلت له ما لا حقيقة له، ولكن هذا النقل مادام مفضياً الي توثيق العلاقة، حينئذ يكتسب ايجابيته.
بلاغة الحديث
والآن ننتقل الي بلاغة الحديث، فنقول: ان خلع طابع (البيت) علي الخبائث: يظل استعارة مهمة، لأن البيت هو محل السكني او الاستقرار، فاذا كانت الخبائث تمثل بيتاً: حينئذ فان السكن في البيت يعني: استقرار الخبائث وثباتها، وهذا هو قمة الفوضي والإضطراب والتفكك الاجتماعي، فإذا كان الكذب مفتاحاً لسائر الخبائث، فهذا يعني: ان الكاذب سوف يمارس خبائث اخري، كمن يكذب في ادعائه الاخلاص او المحبَّة أو الايمان أو الأمانة الى آخره، بل ان الكاذب في حديثه مع الناس، يظل في علاقته بالله تعالي كاذباً ايضاً، وهل ثمة خبث أو جريمة او مفارقة اشد من الكذب في العلاقة مع الله تعالي، وهذا يعني ان الكاذب بمثابة الكافر، كما هو واضح.
اذن امكننا ان نتبين - ولو عابراً - أهمية ما رسمه الامام العسكري (عليه السَّلام) في تحديده لدلالة الكذب وانعكاساته علي مطلق السلوك السلبي.