نص الحديث
قال الامام الباقر (عليه السلام): نحن اهل بيت الرحمة، شجرة النبوة ومعدن الحكمة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد احد الاحاديث الموشحة بالصور الفنية: بالغة الاثارة والدهشة. لكن لنتحدث اولاً عن دلالته، ثم بلاغته من حيث الدلالة نجد اوصافاً ثلاثة خلعها الامام الباقر (عليه السلام) على المعصومين (عليهم السلام): الامام علي (عليه السلام)، فاطمة الزهراء الحسنين (عليهم السلام):
اولها: انهم (عليهم السلام) (بيت الرحمة).
ثانياً: (شجرة النبوة) .
ثالثاً: (معدن الحكمة) .
وهذا يعني انهم (عليهم السلام) من حيث صلة المنتسبين اليهم انهم (رحمة)، ولا شيء اكثر طموحاً للناس من ان تشملهم الرحمة.
ويعني انهم ينتسبون الي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس هذا فحسب، بل ان الانتساب هو قبل كل شيء فكري اي: انهم امتداد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث انه (صلى الله عليه وآله وسلم) أودع لديهم ما ينبغي ان يفيد المنتسبون الي الاسلام من المبادئ لديهم، ثم انهم: اهل الحكمة، اي: الكلام الحق المتسم بالصواب حتماً.
بلاغة الحديث
هذه الخصائص الثلاث لا تتضح مستوياتها وحجمها الا من خلال الصور البلاغية او الفنية التي استخدمها (عليه السلام) من التوضيح.
الصورة الاولي: وهي انهم (عليهم السلام) (بيت الرحمة) تجسد دلالة فنية هي (التمثيل)، اي: البيت الذي تنزل الرحمة اليه او فيه، وتصدر منه، والمهم فنياً ان البيت هو مأوي الانسان ولا يمكنه ان يحيا بدون المأوي، وهذا يعني: قمة الصياغة البلاغية التي تجعل اهل البيت (عليهم السلام) هم المأوي، وهذا منتهي ما يمكن التطلع اليه.
الصورة الثانية: هي انهم (عليهم السلام) (شجرة النبوة) حيث انهم امتداد للنبي ص في توصيله لمبادئ الله تعالي اي: انهم الخلفاء او الاوصياء الذين يضطلعون بهذه المهمة. والسّر الفني او البلاغي في عبارة (شجرة النبوة) هو: ان النبوة بما انها انتهت بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، حينئذ فان الوصية بهم (عليهم السلام): يعني: التضرع أو الامتداد: وهذا يتوافق مع مفهوم (الشجرة) التي تتميز بكونها ذات فروع: كما هو واضح.
وامّا الصورة الثالثة: (معدن الحكمة) فهي صورة استعارية تعني بلاغياً ان الحكمة لا وجود لدي سواهم، انها موروثة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اليهم، والمعدن - كما هو واضح - مصدر لما له قيمته المادية، فاذا استعرت للقيمة الروحية، حينئذ فهذا المعني انهم (عليهم السلام) مصدر المعرفة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وان غير المنتسبين الي مذهبهم لا يمتلكون المعرفة المطلوبة ما داموا لم يستفيدو ا من المعدن المعرفي المذكور.
اذن امكننا ان نتبين الاهمية البلاغية الفائقة للمذهب المذكور، سائلين الله تعالي ان يجعلنا من المتمسكين بهم، وان يوفقنا الي الطاعة، انه سميع مجيب.