نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إقامة حدّ من حدود الله، خير من مطر اربعين ليلة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم تشبيه واقعي، يتحدث عن الضبط الاجتماعي - حسب لغة علم الاجتماع - اي ان ظاهرة العقاب لما هو منحرف من السلوك يساهم في تحقيق ما يطلق عليه مصطلح الضبط الاجتماعي مثلا في تحقيق التوازن أو قيام المجتمع او الكيان، المتسم بالاستقرار.
والمهم هو، ان الحديث المتقدم يجسد مبادئ التوازن الاجتماعي في تصوره الاسلامي وليس تصوره العلماني المتسم بالقصور.
ان الحديث المتقدم يعرض الي احد اشكال العقاب الاجتماعي وهو: اقامة الحدّ، وهو معاقبة المنحرف بأحد انماط الاذي - بحسب نمط الانحراف: كقطع يد السارق مثلاً، أو ضرب الزاني بمائة جلدة: وهذا النمط من العقاب الاسلامي يسهم بحق في تحقيق الضبط: كما لو حظ ذلك في المجتمعات التي مارست هذا النمط من العقاب الاسلامي.
بلاغة الحديث
والمهم الآن ملاحظة الجانب البلاغي للحديث حيث شبهه النبيّ بانه افضل من مطر اربعين ليلة، وهو تشبيه يتطلب شيئاً من التفصيل.
من الواضح، ان مطر اربعين ليلة يعني: ان الخير سوف ينعم المجتمعات التي يطالها المطر اربعين ليلة من حيث تحقق الخصب وما يترتب عليه من الثمر: كما هو واضح. ان النكتة البلاغية هي: بما ان الخصب أو رغد العيش يتحقق في حالة هطول الامطار المتواصلة كذلك فان رغد العيش يتحقق من خلال اقامة الحدّ الاسلامي حيال المنحرفين، وقد ورد في ميدان القصاص قوله تعالي «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ» اي: ان ممارسة القتل مثلاً ضد القاتل سوف يروع الآخرين من القتل ما داموا يخشون قتلهم ايضاً، وحينئذ سوف لا يقتل الفرد او الجماعة: الآخرين او الآخر، فتتحقـّق استمرارية الحياة، اي أنّ: الحياة تتحقق بعدم حياة القاتل: وهذا هو منتهي التعبير البلاغي عن قانون الضبط الاجتماعي المتمثل في معاقبة القاتل بالقتل، والسارق بقطع اليد، والزاني بجلده، وهكذا.
اذن، اتضح لنا جانب التعبير البلاغي بالنسبة الي عبارة (اقامة حدّ من حدود الله خير من مطر اربعين ليلة) اي: حتي مطر اربعين ليلة يتحقق فيها الخصب والثمر هو اقل معطيات من اقامة حدّ من الحدود التي رسمها الاسلام في معاقبة المنحرفين.