نص الحديث
قال الامام زين العابدين (عليه السلام): الصبر من الايمان، بمنزلة الرأس من الجسد.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يعد وثيقة عيادية اي: وثيقة نفسية وتقريراً لأهم معالم السلوك من حيث التشخيص للسلوك السوي مقابل السلوك الشاذ، انه اي الحديث يتناول (الصبر) حيال شدائد المثيرات التي يواجهها الانسان في حياته، فاذا انتفعنا مع مبادئ علم النفس العبادي نجد ان مصطلح (تأجيل الشهوات) او (الاشباع) يظل هو الخيار الوحيد للشخصية، حيث لا يمكن بدون التأجيل ان يستمر الانسان في مواجهته للحياة، ان الشخصية ايا كان موقعها وقابليتها فلن تستطيع ان تحقق ما تصبو اليه من الصحة او الامن او الثراء أو الاستقرار او الوصول الي المواقع القيادية للمجتمع أو الاشباعات الجنسية والتقديرات الاجتماعية والانتماءات الاجتماعية الخ لذلك فان الخيار الوحيد لها هو: ان توجل ما ترغب الي تحقيقه وتصطبر علي الاحباط، والا فستتعرض اما للاضطراب العقلي او الموت.
بلاغة الحديث
من هنا يجئ (الصبر) - وهو مصطلح شرعي - متماشياً مع مصطلح (تأجيل الشهوات) في المصطلح النفسي، الخيار الوحيد للانسان كما قلنا وما يعنينا الان هو: ملاحظة الجانب البلاغي لمقولة الامام السجاد (عليه السلام) في ذهابه الي ان (الصبر) من موقع الايمان هو بمنزلة الرأس من موقع البدن.
لقد اعتمد الامام السجاد (عليه السلام) علي (التشبيه) في تقريره لاهمية الصبر، حيث جعله بمنزلة الرأس من بدن الانسان، وهو تشبيه فائق الدلالة دون ادني شك. كيف ذلك؟
من الواضح ان الصبر في التصور الاسلامي هو: نمطان: صبر عن المعصية، وصبر علي الطاعة، وكلاهما يجسد تأجيلاً لاشباعات الشخصية، فالصبر علي الطاعة: كالصبر علي الجوع والعطش بالنسبة الي الصائم مثلاً يعد تأجيلاً لاشباع الشخصية، اي: الصبر علي الطاعة، كما ان امتناع الشخصية من ممارسة العمل الجنسي غير المشروع يعد تأجيلاً لشهوات الشخصية اي: الصبر عن المعصية، والان مع ملاحظة هذين النمطين من الصبر بامكاننا ان نتبين منزلتهما من الايمان بالله تعالي او بالاسلام ومبادئه، حيث نعرف تماماً ان المؤمن اذا لم يصبر علي الطاعة (اذا لم يصم مثلاً) او اذا لم يصبر عن المعصية (كما لو مارس الجنس غير المشروع) حينئذ لا ايمان له البتة لانه ببساطة يمارس الحرام ولا يطيع الله تعالي اي: لا يمارس الواجب، من هنا جاء التشبيه بان الصبر من الايمان كالرأس من البدن في غاية الدقة وفي غاية التعبير عن الحقيقة، بصفة ان الرأس اذا فصل عن الجسد: حينئذ لا يستطيع الجسد ان يمارس اية فعالية: كما هو واضح، حيث الرأس بما ينتظمه من المراكز المرتبطة بسائر اجزاءً البدن هو: المحرك عقلياً ونفسياً وعضوياً لسائر البدن: كما هو واضح.