نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): الأمر قريب والاصطحاب قليل.
دلالة الحديث
الصورة أو العبارة المتقدمة تنتسب الي ما نسميه بـ (الرمز)، اي: العبارة تشير الي دلالة خاصة خارجة عن سياقها اللغوي، والرمز - كما هو معروف - يشير الي معني غائب، وهذا المعني تتعدد مصاديقه وتتنوع بقدر قرائة، الا اننا الأن نعتزم الحديث عن دلالته، وهي: ان الموت قريب من الانسان، وان الحياة أو الصحبة او العيش لقليل طبيعياً، ان الاشارة الي قرب الموت وقصر الحياة تظل من الحقائق التي لا يتجادل فيها اثنان، ولكن المطلوب هو ليس فهم الموضوع بل العمل بما يتناسب مع العبارة. فماذا نستلهم من عبارة (الأمر قريب، والاصطحاب قليل)؟
بلاغة الحديث
نحن الآن امام رمزين، احدهما: عبارة (قريب) والآخر: (قليل)، وقبل ان نتحدث عن هذين الرمزين يجدر بنا ان نعرض لموقعهما من بناء الجملة، ان (قريب)، (وقليل) يرمزان كلاهما الي ما هو ضئيل ومحدود، لان (القرب) يعني: تعجل الأمر، و(القلة) تعني: مرحلة ما قبل النهاية، وان العمر والموت لكذلك، اي: ان الموت قريب من الانسان، لان عمر الانسان محدود ولابد من النهاية، كما ان العمر أو العيش (قليل) للسبب نفسه، بيد ان النكات البلاغية تقتادنا الي ان نتأمل هذين الرمزين لا نطوائهما علي العظة والاعتبار وضرورة تلافي الموضوع، بمعني انّ على الشخصية ان تمارس عملها العبادي قبل ان يعجل بها الموت، وجمالية هذه الدلالة تتمثل اولاً: في جعل الشخصية من حيث ارتباطها بالحياة بمثابة صاحبين، اي ان هذين الصاحبين لا تستمر مصاحبتهما للآخر، لانها تتسم بزمن قليل، فصحبة الشخصية للحياة قليلة سرعان ما ينطفئ عمرها وتتلاشي الصحبة والأمر كذلك بالنسبة الي عبارة (الامر قريب)، فالامر هنا يرمز الي الموت، و (القريب) يرمز الي محدودية الصحبة وتلاشيها، بمعني ان حياة الشخصية سوف تتلاشي لمحدودية عمر الانسان.
اذن الرمزان كلاهما، يتبادلان التأثير النفسي فيما بينهما، بمعني ان كل رمز يتلاحم مع الأخر من خلال تآزرهما في التعبير عن قصر الحياة وسرعة الموت.
اذن امكننا ان نتبين - ولو سريعاً - جانباً من دلالة الحديث، سائلين الله تعالي ان يوفقنا الي ممارسة العمل العبادي قبل ان يداهمنا الموت، وان نعجل ممارسة الطاعة، ونتعظ بتجارب الآخرين (الاموات) ومن ثم: ضرورة العمل - وليس التذكر فحسب - اي: ممارسة الطاعة، والتوسل به تعالي بان يوفقنا الي ذلك، انه سميع مجيب.