في عام 1958، قدّم المصمّمون الايطاليون عرضين اثنين لصنع يختين توأمين هما «ميكلانج» و«رافائيل». هذه المبادرة جاءت لتربط صناعة وهندسة السفن في ايطاليا آنذاك بتاريخ فن التصميم الايطالي.
قاد فريق الفنانين المصمّمين البروفيسور «موتورينو» الاستاذ بجامعة التقنيات في مدينة تورينو، حيث بدأوا بعملية صنع هذين اليختين.
في 16 من ايلول –سبتمبر لعام 1962، بدأت أعمال صنع اليخت الصغير ألا وهو «ميكلانج»؛ ولم تمض خمسة أشهر حتى بدأ الصناع بصنع اليخت الكبير وهو «رافائيل». وبعد مرور ثلاثة أعوام من صنع ميكلانج، تم تدشين هذا اليخت وبدأ رحلته ابتداءً من مدينة جنوه المرفئية وصولاً الى ميناء نيويورك في الولايات المتحدة الاميركية. ولم يلبث حتى أن رأى اليخت رافائيل النور، والذي كان يبلغ طوله 276 متراً وعرضه 31 متراً.
الامكانيات التي كان يحظى بها يخت رافائيل مثيرة للدهشة، ونذكر منها على سبيل المثال 750 مقصورة وستة مسابح و18 مصعداً و30 قاعة اجتماعات وصالة عرض تستوعب 500 مقعداً ونوادي رياضة الجمباز وتدريب القوه البدنية.
لم يدرّ هذان اليختان الجميلان الفاخران أيّ ليرة لصالح شركة الملاحة الوطنية الايطالية، لأنهما ومع تسجيل إقبال واسع عليهما جاءا بتكاليف باهظة للحكومة الايطاليه، وذلك نظراً لأعمال الصيانة.
من المؤسف أن يخت رافائيل اصطدم عام 1970 بناقله نفط نرويجية في المحيط الأطلسي. في واقع الأمر، كانت الحكومة الايطالية تدفع 700 دولار لكل راكب لليخت كدعم حكومي. الى ذلك، انّ الأزمة الناتجة عن النفط في سنة 1974 زادت بدورها من تصاعد وتيره تكاليف اليخت لحكومة روما.
لم يلبث الأمر حتى بدأت الصحافة الايطالية تشنّ انتقاداتها للحكومة؛ ممّا جعل الحكومة الايطالية تعلن أخيراً أنها ليست قادرة على دفع مبلغ قدره 100 مليون ليرة يومياً لصيانة هذين اليختين. وفي ربيع عام 1975 أعلنت روما رسمياً أنّها عاجزة عن دفع مساعدات مالية لشركة الملاحة الوطنية الايطالية؛ ممّا يعني نهاية حياة هذين اليختين العملاقين.
في أبريل – نيسان سنة 1975، غادر رافائيل ميناء نيويورك، متجهاً نحو شواطىء ايطاليا، وأرسى في ميناء جنوه. هذه الرحلة البحرية كانت آخر رحلة سجلها يخت رافائيل، حيث لم تنظم أي مراسم لتوديعه.
في عام 1965، عرض الايطاليون مبلغ 90 مليون دولار لبيع اليختين، إلاّ أنهم وبعد عشر سنوات وبسبب معاناتهم من أزمة اقتصادية خانقة عصفت بهم، أرغموا على بيع رافائيل لايران مقابل مليوني دولار، فيما ان السعر الحقيقي لكل من يختي رافائيل وميكلانج كان يقدّر بنحو 45 مليون دولار.
وأخيراً غادر رافائيل ايطاليا في جو يسوده الحزن والبكاء، صوب ايران. في ربيع عام 1977، أرسى يخت رافائيل في ميناء بوشهر. كان طاقم اليخت 50 شخصاً، ويتسع لنحو 1800 شخص كفندق بحري.
وما أنّ دخل رافائيل سواحل بوشهر حتى توجه أهالي المدينه في مجموعات الى الميناء لاستقبال ضيفهم الجديد ومشاهدته والتقاط الصور منه. ولكن لم يكن يدري أحد ما هو السبب لدخول اليخت في بوشهر.
في عام 1978، قدّم مقترح الى محمد رضا الشاه البهلوي جاء فيه ان يتم تحديث واعادة إعمار اليخت رافائيل ويستخدم لأغراض تجارية وتنظيم رحلات بحرية للركاب والزبائن الايرانيين والأجانب الأثرياء الى جانب تقليل سعته الى 1300 شخصاً حتى يتحوّل الى مورد مالي جديد للبلاد. ووافق الشاه على هذا المقترح، بيد ان انتصار الثورة الاسلامية وسقوط نظام الشاه في ايران وتغيير الظروف فيها؛ كل ذلك تسبب في ان طاقم اليخت والعاملين الايطاليين الذين كان لهم دور مهم في صيانة اليخت وأجهزته وأدواته غادروا ايران ورجعوا الى بلادهم.
الى ذلك، أطلقت المقاتلات الحربية لقوات النظام العراقي السابق خلال الحرب التي فرضها على الجمهورية الاسلامية في ايران، وأثناء قصفها لجزيرة خارك وميناء بوشهر، أطلقت صاروخاً على اليخت رافائيل وكبدته خسارة جسيمة الى درجة ان رافائيل انغمس نصفه في المياه الساحلية الضحلة لميناء بوشهر.
أعقب هذا الحادث، اصطدام سفينة «ايران سيام» الشاحنة لليخت رافائيل بشكل عرضي ومفاجئ، مما أسفر عن ايقاع صدمات قوية في جسمه. وأخيراً غرق رافائيل تماماً في مياه الخليج الفارسي، ممّا جعله عرضة لشنّ هجمات اكثر عليه، ولكن هذه المرة من قبل الغواصين وأولئك الذين كانوا على اطلاع على الكنوز الخفية في داخله، حيث سرقوا ما سرقوا من الأعمال الفنية الرائعة والأشياء القيمة التي كانت باقية في داخل المقصورات وقاعة الاجتماعات ومطاعم اليخت.
اليوم لا ترى العيون يخت رافائيل، لأنه اتخذ لنفسه مكاناً تحت سبعة أمتار من المياه الساحلية وتحديداً على بعد كيلومترين من مفاعل بوشهر النووي، غير ان اللافت هو ذكريات هذا اليخت الفاخر، والتي مازالت عالقة في أذهان كثير من الأهالي الذين يذكرونه عند كل مدّ وجذر وظهور شيء ما من تحت المياه، قائلين: ان رافائيل طفى على سطح الماء.
في ميناء بوشهر، حيث تطبع ملصقات كبيرة ليخت رافائيل وتباع، هناك شارع على الكورنيش يوجد فيه مطعم مبني على النمط المعماري الحديث، حيث سمّاه صاحبه الموهوب «مطعم رافائيل» تذكاراً لليخت رافائيل المعروف.