نص الحديث
قال الإمام علي (عليه السلام): الاماني تعمي اعين البصائر.
دلالة الحديث
هذا الحديث من النصوص المتسمة بما هو فائق من الدلالات المرشح بعدة تأويلات، إلا انها جميعاً تعني هدفاً محدداً هو: ان المرء ينبغي الّا يتمني شيئاً يتعذر أو يمتنع حصوله.
ان الأمنية تعني: ما يمكن ان نطلق عليه مصطلح (حلم اليقظه)، اي: ان ما يتطلع اليه الانسان أو ما يهدف الي تحقيقه دون ان تكون له قابلية علي حصوله: يلجأ الي وسيلة لا شعورية هي: ان ينسج لنفسه هدفاً يحصل عليه من خلال (الخيال) او (الوهم) حيث ان الانسان يستطيع ان يتخيل نفسه رئيساً للبلد أو علامة لا ثاني له، أو مليارد لامواله، و بهذا يخفف من احساسه بالخيبة او النقص الذي لا يسمح له ببلوغ ما يطمح اليه من الأماني.
المهم الحديث يشير الي ان من يتمني ما يتعذر حصره، و يمتنع فانه يفقد بصيرته، اي: التفكير السليم من مواجهة لما يتطلع إليه من الأماني، وقد رسم الامام (عليه السلام) هذه الحقيقة في صورة استعارية هي: (الأماني تعمي اعين البصائر) وهذا ما يتعين علينا معالجته بلاغياً.
بلاغة الحديث
البلاغة التي يجسدها الحديث المتقدم تتمثل - في جملة ما تتمثل به - هي: جعل ما هو خاضع للبصر: اي العين، عمياء لا قابلية لها علي البصر، ثم جعل او خلع علي البصيرة - وهي ادراك الامور بنحو صائب و سليم- خلع عليها طابع (البصر)، حيث جعلها عمياء، و بهذا نتبين عمق الدلالة التي طرحها الامام (عليه السلام) بالنسبة الي من يشغل نفسه بالأماني المتعذر حصولها، بصفة ان البصر هو الجهاز الموظف للنظر الي الاشياء، و بصفة ان البصيرة هي الجهاز العقلي الذي يستطيع الانسان بواسطته ان يدرك حقائق الامور، فاذا خلع علي البصيرة عمي البصر، فهذا يعني: انعدام الوعي تماماً عند الشخصية التي تحلم ببلوغ الاماني المتعذّر حصولها.
ومما يضفي بعداً بلاغياً آخر علي الحديث المتقدم هو: انتحابه للعنصر الايقاعي المتمثل في (التجنيس) او (التجانس) الصوتي بين كلمة (البصر) و (البصيرة)، فالاولي هي مادية (العين) والثابتة هي معنوية (البصيرة)، وعندما يحانس (عليه السلام) بينهما من خلال الصوت (الصاد)، و(الراء) و(الباء): حينئذ تبلغ البلاغة قمة جماليتها بالنحو الذي اوضحناه.