نص الحديث
قال الامام عليّ (عليه السلام): من غرس اشجار التقي إجتني ثمار المني.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي علي صياغة فنية تنتمي الي الاستعارة. الموضوع هو (التقوي) وهي معيار الشخصية الاسلامية، حيث نعرف جميعاً ان النصوص الشرعية طالما تشير الي ان افضلنا عند الله هو الاتقي، و هذا يعني: ان المعيار المتقدم هو المتفرد في تحديد سماة الشخصية.
وقد سبق ان كررنا بان الشخصية التقوائية هي: الشخصية السوية في المعيار النفسي، بمعني: إن التقوي تشمل ما هو العبادي و الانساني في التصور الاسلامي، لان ما هو انساني في وحده، لا يتحقق مفهوم السواء بدلالته الدقيقة، فمثلاً: الصادق في كلامه مع الآخر إذا لم يكن صادقا مع علاقته بالله تعالي لا يعد سوياً لانه صدق غير تام بل هو الصدق الناقص، والنقص لا يلتئم مع ما هو سوي. والمهم هو: ان نعود الي التقوي وحديث الامام (عليه السلام) عن ذلك، حيث قرر بأن المتقي ينال ما يطمح اليه من الآمال، سواءاً كان المقصود بان المتقي هو من يعلم الناس التقوي او هو من يمارس مبادئ التقوي مع ذاته، فالنتيجة هي: حصوله علي ما يطمح اليه من رضاه تعالي وأثابته المادية، الجنة.
بلاغة الحديث
والسؤال الآن هو: ما هي الصياغة البلاغية التي توفر عليها الامام (عليه السلام) في تقريره للحقيقة المتقدمة؟
لقد استخدم الامام (عليه السلام) ظاهرة غرس الشجر، وما يترتب علي الغرس من حصول الثمر، وهو: استعارة فائقة في تقرير ما ينتظر المتقي من الثواب سواءاً كان المقصود من الثواب هو: رضاه تعالي او الجنة. كيف ذلك ؟
من الواضح، ان الشجر ينمو، والتقوي لا تحصل دفعة واحدة بل تنمو كذلك من خلال تجميع المفردات من سلوك الانسان وبذلك تتجمع الاثابات: كما هو واضح بقدر النمو للاشجار، وقد استخدم الامام (عليه السلام) صيغة الجمع فقال (اشجار التقي) حتي يتلائم جمع الاشجار مع جمع المفردات السلوكية التقوائية.
واما من جانب آخر، فقد استخدم الامام (عليه السلام) مصطلح (ثمار المني) ليتسع من حيث الجمع للثمار وللمني مفردات السلوك التقوائي مع الاثابات التي يحصل عليها، فالمني هي جمع الامنية، والمتقي يحصل علي الكثير من آماله. والثمر هو: الرمز للامال، فيحصل المتقي علي كثير من آماله المشار اليها: وثمر هو المادة الشهية، والآمل هو: ما يشتهية الانسان فعلاً.