نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اليد العليا خير من اليد السفلي.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يشير الي ان اليد المعطية، اي: الشخصية التي تنفق اموالها، أو تقدم مساعدتها للآخرين: مادياً او معنوياً هي خير من اليد السائلة أو الآخذة، هذا هو دلالة الحديث، والنكتة هي: ان الشخصية المعطية تعتبر - من الزاوية العبادية والنفسية - شخصية مستوية وملتزمة، بصفة ان الانفتاح علي الاخر يعد - في تصور علماء النفس - تعبيراً او سمة للشخصية السوية اي غير المريضة بمرض نفسي.
واما من الزاوية العبادية، فان الشخصية المعطية اوالمنفقة تعد ملتزمة وتقية: حين امتدحها الشارع واضفي عليها القاب التقوي وسواها حتي انه قرنها بالصلاة - اي: قرن الزكاة والانفاق وغير ذلك من الاشكال المنفتحه علي الآخرين: قرنها بقيام الصلاة التي هي عمود الدين: تعبيراً عن أهمية الانفاق، كما هو واضح.
بلاغة الحديث
وأما بلاغياً: فان الحديث المتقدم نسج صورة فنية هي: ما ينطلق عليه بـ (الرمز) او الكناية او الصورة التمثيلية، وهي: (اليد) حيث ترمز (اليد) الي العطاء كما هو واضح، كما رمزت كلمة (العليا) في عبارة (اليد العليا) الي (الانفاق) ايضاً: تعبيراً عن العطاء، وهذا التعبير او عبارة (اليد العليا)، له دلالته البلاغية المتسمة بالطرافة وبالعمق، حيث لم يكتف برمز (اليد) بل اضاف اليها (العليا) ليعبّرلذلك عن صورة بلاغية فائقة وغنية بالدلالة، كيف ذلك؟
الجواب: ان (اليد) هي - كما اشرنا - ترمز الي الانفاق، و(العليا) ترمز الي الانفاق ايضاً، فاذا اجتمع الرمزان اصبح الانفاق له دلالته المتميزة وهي: الانفاق الكثير أو الانفاق المتّسم بما هو رفيع من السلوك، بصفة ان (العليا) هي (الرفعة)، فتصح الدلالة الرمزية علي انفاق ذات ابعاد متنوعة من السمات الإيجابية: كالسخاء، والرفعة، والانفتاح الكبير علي الآخر، والمحبة للآخر، وهكذا.
اذن امكننا ان نتبيّن كثيراً من الدلالات الغنية والمكتنزة بما هو طريف ورفيع في عبارة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، سائلين الله تعالي ان يجعلنا ممن له اليد العليا في مساعدة الآخرين، وان يوفّقنا الي طاعته، انه سميع مجيب.