نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله): اعبد الله تعالي كانّك تراه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يعد من الاحاديث المتسمة باهمية الدلالية والجمالية، اما اهميته الدلالية فتتشمل في المهمة العبادية التي او كلها الله تعالي للانسان عبر قوله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ. وهذا يعني: ان المهمة التي خلق الله تعالي الانسان من اجلها هي ممارسة العبادة، وهذا ما تنطق به فقرة (اعبد الله)، ولكن الشطر الاخر من العبارة هي (كأنك تراه).
ان فقرة (كانك تراه) سنحدثك عن جماليتها بعد قليل ولكن يجدر بنا اولا ان نحدثك عن علاقتها بالشطر الاول من العبارة وهو (اعبد الله). فما ذا نستلهم من ذلك؟
بلاغة الحديث
ثمة فارق كبير بين النظرية وبين التطبيق في ميدان السلوك كما انّ: هناك فارقاً بين الاقوال وبين الافعال فالذي يمارس الصلاة مثلاً او يقرأ القران الكريم او يمارس عملاً ثقافياً من اجل نشر الاسلام الخ قد يصلي وذهنه في واد آخر او يقرأ القرآن ولا يعي ما يقرأ، او يكتب ويخطب او يمارس التعليم ويشرك مع الله تعالي الأخرين لكسب الجاه واو المال، هؤلاء جميعاً يعبدون الله تعالي ولكنهم لا يذكرون الله تعالي في قلوبهم او لا يحضرون الله تعالي في اذهانهم حين الصلاة او قراءة القرآن الكريم او حين الخطابة او الكتابة او التعليم بقدر ما يعنون ايضاً بالجاه او المال او بقضية دنيوية يشغلون بها اذهانهم اثناء الصلاة او القراءة. من هنا قال النبي (صلى الله عليه وآله) أمرنا بان نمارس هذه الاعمال وغيرها مع حضور الله تعالي في اذهاننا وذلك من خلال قناعتنا بان الله تعالي ينظر الي اعمالنا ويرتب عليها اثراً جزائياً هو رضاه والجنة او غضبه والنار، اعاذنا الله تعالي منها. وهذا فيما يتصل بالحديث النبوي دلاليا. ولكن ما هي صياغته جمالياً؟
الحديث هو تشبيه عملي وطريف قد اعتمد اداة هي (كأن) حيث قال (كأنك تراه) ، وهذه الاداة تختلف عن غيرها من ادوات التشبيه نحو (الكاف) او (مثل) وغيرها بانها ترصد الاقل حسياً او معنوياً من عندها حيث تمثل (الكاف) التشبيه الاعلي من الشمائل لو شبه قلب اليهودي بالحجارة حيث يتماثلان في القسوة ولذلك قال تعالي (قلوب كالحجارة)، بينما (كأن) تمثل الاقل تماثلاً لان الله تعالي لا يري حسياً بصفته منزّهاً عن الحدوث ولذلك استخدم النبي (صلى الله عليه وآله) (كأن) ليبعد عن ذلك بجلاء حيث لا يري الله تعالي ولكن التشبيه له طرافته من جانب كونه سمح لنا بان (نتخيل) او (نتصور) او (نحسب) بان الله يرانا، وحينئذ نخلص في عملنا فلا نبحث عن الجاه او المال او الزخارف الدنيا وهذا هو ما يجسد طرافة الحديث بالنحو الذي اوضحناه.