نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): إنكم الى اعراب الاعمال: أحوج منكم الى اعراب الاقوال.
دلالة الحديث
الحديث المشار اليه (من حديث الدلالة) يشير الى ان الاشخاص الذين يعنون بفصاحة الكلام وبالحرص على تأديته سالماً من الاغلاط اللغوية، مصحوباً بالتشدق والحذلقة، وبالافتعال وبالتكلف: حتى يعرضوا عضلاتهم امام الاخرين، مستهدفين من ذلك: لفت النظر الى شخصياتهم، وانتزاع الاعجاب من الآخرين، تأكيداً لذواتهم المريضة، ولذلك خاطبهم الامام علي (عليه السلام) بالقول: (انكم الى اعراب الاعمال: احوج منكم الى اعراب الاقوال) مستهدفاً من هذا الحديث لفت الانتباه الى حقيقة هي: ان الانسان ينبغي ان ان يحرص على ممارسة وظيفته العبادية في الحياة تبعاً لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، فالمطلوب هو: ان يكون الانسان حريصاً على مارسة الاعمال المطلوبة منه، اي الالتزام باوامر الله تعالى، والعمل بموجبها، وقد عبر الامام (عليه السلام) عن هذا المعنى بعبارة: (اعراب الاعمال) اي على الانسان ان يحرص على تادية اعماله بالوجه الصحيح، حيث ان معنى كلمة (اعراب) هي: الابانة او الافصاح عن الشيء، فيكون المعنى حينئذ: ان على الانسان ان يؤدي اعماله خالية من كل شائبة، خالية من الرياء، او كسب السمعة، او يعمل غير خالص لله تعالى، فما فائدة ان يكون الانسان حريصا على ضبط الكلمات وهو لا يستطيع ان يضبط اعماله، فالمطلوب هو ضبط الاعمال وليس ضبط الاقوال فحسب.
بلاغة الحديث
والآن يجدر بنا ان نتجه الى معرفة الجانب البلاغي لهذا الحديث، انه حديث من نور، حيث ان كلام المعصوم هو (نور)، وهو من حيث الاداء اللغوي في ارفع مستويات البلاغة.
وتتمثل بلاغة الحديث المذكور في كونه قد اعتمد ما يسمى بـ (التشبيه المتفاوت) اي: التشبيه الذي يكون احد طرفيه اعلى او ادنى من الآخر، وهذا ما نلاحظه في حديث الامام علي (عليه السلام)، حيث استخدم عبارة (احوج) ليشير بها الى ان الانسان هو (احوج) الى ضبط أعماله التي امره الله تعالى من ضبط مجرد الكلمات التي يُعنى فيها بالحذلقة وبالتشدق وبالزخرف، حيث لا فائدة من حجال الكلمة اذا كان المتكلم ينطق من قلب مظلم.