حين تولى الإمام الرضا (ع) الإمامة كان أصدقاؤه والمقرّبون إليه ومحبّوه يقولون: ما الذي يستطيع علي بن موسى الرضا أن يفعله في هذه الأجواء. والأجواء المقصودة هي شدة القمع والإرهاب الهاروني الذي جاء في الروايات عنه: «وسيف هارون يقطر دماً». ماذا بوسع هذا الشاب أن يفعل في تلك الظروف، ومواصلة لجهاد أئمة الشيعة، ولحمل المسؤولية العظيمة التي على عاتقه؟ هذا في بداية إمامة علي بن موسى الرضا (عليه السلام). بعد هذه الأعوام التسعة عشر أو العشرين والتي انتهت باستشهاده وانتهاء فترة إمامته، حين تنظرون ترون أن أفكار ولاية أهل البيت (ع) والعلاقة بآل الرسول قد انتشرت في العالم الإسلامي إلى درجة عجزت أجهزة بني العباس الظالمة المستبدة عن مواجهتها.. هذا ما قام به علي بن موسى الرضا (ع).
الإمام الخامنئي ٢٠١٣/٩/١٧
هذا هو تحرك الإمام الرضا (عليه السلام) إلى أن شعر المأمون أخيراً، في إطار الأمور والقضايا التي سمعتم بها وتكرّرت وتعلمونها، شعر أنه مضطر لقتل علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الذي جاء به من المدينة وقرّبه إليه لنواياه ومآربه الخاصة، ولم يكن يقصد قتله، لكنه غيّر تدبيره، وجرى القضاء والإرادة والتدبير الإلهي على أن يدفن بضعة الرسول (ص) في هذه المنطقة البعيدة عن المدينة - وهذا بحد ذاته تدبير وهندسة إلهية - وأن يقتل على أيدي أعداء أهل البيت (ع).
وجود هذا المرقد الشريف في هذا الجزء من الوطن الإسلامي الكبير كان له أيضاً بركات عديدة. فالحمد لله أنّ التواصل بين المسلمين من أقصى نقاط العالم -أولئك الذين تنبض قلوبهم بحبّ أهل البيت، من كافّة الفرق والجماعات الإسلاميّة- قد تحقّق ببركة هذا المزار الطاهر، وهذا المضجع الشريف وحرم أهل البيت هذا في خراسان. كلّنا أملٌ إن شاء الله بأن تتضاعف يومًا بعد يوم بركات وجود هذا المرقد المطهّر الذي هو محطّ توجّه قلوبنا إلى معنويّات هذه العترة الطاهرة المطهّرة. هنا مرقدُ علي بن موسى الرضا سلام الله عليه مطاف ملائكة السماوات، ومحضر النفحات الإلهيّة. والقلوب الطاهرة، القلوب العاشقة، أولئك الذين أودعوا قلوبهم لهذه العترة المطهّرة، هناك يناجون الله تعالى بقلوبهم المشتاقة؛ إنّه مركزُ ذِكر، مركزُ توجّه، مركزُ توحيد، ببركة مرقد الإمام الثامن عليه آلاف التحيّة والسلام. كلّنا أمل بأن تشمل بركات عناية هذا العظيم حالنا جميعًا، كل الشعب الإيراني وجميع مسلمي العالم، وأن توجِبَ ارتباطاً أمتن وأقوى بين المسلمين في الأيام القادمة كما حدث في الماضي.
الإمام الخامنئي ٢٠١٤/٩/٧