أحبّتن المستمعين الأكارم في كلّ مكان !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكلّ المراحب بكم في هذه الجولة الجديدة التي نصطحبكم من خلالها في عالم الشباب وهمومهم وقضاياهم والمخاطر التي تتهدّدهم عبر استعراض هذه القضايا وتحليلها علي ضوء النظرة الإسلاميّة وتوجيهات أهل البيت سلام الله عليهم ، ومن خلال الاستعانة بوجهات نظر علماء النفس والاجتماع والمتخصّصين في قضايا الشباب ، حيث سنستكمل في حلقتنا لهذا الأسبوع الحديث حول الشباب والمخاطر التي تهدّدهم فيما يتعلق بالجريمة والوقوع في شِباك المخالفات والسلوكيّات المنحرفة ، ندعوكم لمتابعتنا ....
مستمعينا الأفاضل !
لا شكّ في أن تعلّم المهارات الأساسيّة في الحياة ، يرفع من مستوي القدرات الاجتماعيّة للشباب ويعينهم علي اتخاذ القرار الصحيح عند مواجهتم مصاعبَ الحياة ومشاكلها . وتعزيز مهارات مثل تقبّل المسؤوليّة و امتلاك الدافع للنجاح والمثابرة والاعتماد علي النفس والتحرّك والسعي والتركيز واليقظة والإبداع والالتفات إلي القيم الجماعيّة وأسلوب حلّ التعارض وغير ذلك ، يمنح الشاب القدرة الأفضل علي التفكير والعمل .
كما أن للعوامل الاقتصاديّة دوراً مهمّاً في انتشار الجريمة بين الشباب . وللباحثين وجهات نظر مختلفة بشأن كيفيّة تأثير العامل الاقتصادي ؛ حيث يري البعض التعارض الطبقي والتوزيع غير العادل للثروة ، في حين يعتبر البعض الآخر الفقر والعوز هما السبب ، ويميل فريق آخر إلي اعتبار الرغبة في جمع الثروة في ظل ظروف الفقر والبطالة العاملَ الرئيس في ارتكاب الجرائم .
وبشكل عام فإنّ الفقر باعتباره عاملاً اقتصادياً ، يعدّ من العوامل الرئيسة في ارتكاب الجريمة والمخالفات وخاصة بين الشباب الأحداث والشباب . وبالطبع فإن علينا أن لا نستبعد دور الشخص نفسه وإرادته في عدم الإقبال علي الجريمة ؛ فحتّي الإنسان الذي يعيش أسوء الظروف الاقتصاديّة ، بإمكانه أن يحفظ نفسه من خلال الإرادة والتوكّل علي الله من التبعات المضرّة والخطيرة للعامل الاقتصادي وأن يختار دوماً الطريق الصحيح لنفسه .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
كما أن وسائل الإعلام العامّة مثل الإذاعة والتلفزيون و الصحافة هي من جملة العوامل التي تلعب دوراً مؤثّراً في توجيه الشعور الاجتماعي للمتلقّين ورفع مستواهم وإن كان اتجاهها يتعارض مع خير المجتمع ومصلحته العامة ، فإنها ستستتبع الانحراف والفساد والجريمة . وفي هذا المجال تتميّز السينما والتلفزيون بالتأثير الأكبر بسبب جاذبيّتهما .
وفي الحقيقة فإن السينما هي نوع من وسائل الاتصال الجماعي . فحينما يقرأ الإنسان الكتاب فإنه يتيسّر له أن يضع الكتاب جانباً في كلّ لحظة ليفكّر فيه ، ولكنه عندما يشاهد فيلماً فإنه ينجذب إليه بشكل كامل ، بحيث يفقد لفترةٍ مجالَ تدخّل الإرادة والفكر بل قد يبني نفسه ويشكّل شخصيّته علي غرار شخصيّات الفيلم . وهذا التأثير يتضاعف علي الأحداث والشباب والأشخاص غير المتعلّمين .
وبسسب التأثير القوي الذي لا يمكن إنكاره لوسائل الاتصال العام علي المتلقّين، فإنها ستترك تأثيرها باعتبارها عاملاً لتهيئة أرضيّة الجريمة والانحراف عند متلقّيها وخاصة الأحداث والشباب ، فيما إذا كانت وسائل الإعلام هذه تتعارض مع المعتقدات الدينية والثقافة المحليّة و متناقضة مع العقائد الإسلاميّة .
مستمعينا الأطايب !
مازلتم معنا عبر برنامجكم نبض الحياة ، وحديثنا يدور حول الشباب ومخاطر الوقوع في الانحرافات والسلوكيّات الإجراميّة ، ونواصل حديثنا هذا بالتأكيد علي أن الإرث النفيس الذي يمكن للوالدين أن يتركاه لأولادهما ، هو البصيرة والشعور بالإباء وعزّة النفس .
وإذا مااستطاع الوالدان أن يعزّزا الشعور بعزّة النفس لدي الأولاد ، فإن النزعة إلي ارتكاب الجرائم والوقوع في الانحرافات ستنحسر إلي حد كبير عند الأحداث والشباب لقول الإمام علي سلام الله عليه :
" من عرف نفسه فقد عرف ربّه .
وارتفاع مستوي القيم الروحانيّة والمعنوية وعزّة النفس والتشجيع وما إلي ذلك، يمثّل عوامل مؤثّرة في نفوس الأولاد و أخلاقهم وطبائعهم . وهذه الخصوصيّات ليست هدايا يمكن نقلها إلي الأولاد عن طريق الوراثة ، لأنها لاتوجد في جينات الوالدين بشكل وراثي .
وكلّ نوع من الطباع والخصوصيّات الأخلاقيّة القيّمة من مثل عزّة النفس ، تبدأ بالظهور اعتباراً من الأيام الأولي من الحياة ، ويضطلع الوالدان بدور رئيس في هذا الظهور . فممّا لاشك فيه أن مصدر الكثير من السلوكيّات المنحرفة وغير السويّة للشباب يكمن في أخلاق الآباء والأمّهات وسلوكيّاتهم في المرحلة الأولي من الطفولة . وحينما يواجه الشاب قضايا الحياة ، فإنه يبدي ردود فعل يستلهمها من ردود فعل الوالدين في مثل هذه الحالات .
ويتعلّم الأطفال السلوك العدواني والعنيف للوالدين عن طريق المشاهدة والتقليد في الغالب ، و تتجسّد الآثار النفسية لمحيط الأسرة المضطرب في فترة الطفولة ومرحلة البلوغ من خلال أنواع السلوكيّات الشاذّة والأمراض النفسية . وعلي سبيل المثال فإن الشجار الدائم بين الوالدين وبين المحيطين بهما ، يترك آثاراً بالغة السوء علي نفسيّة الأولاد . ويعتبر المحيط المتشنّج للأسرة و الشجارات الكلاميّة والفقر الثقافي و أمّية الوالدين وانعدام النظام في شؤون الحياة و الإدمان علي الكحول والمخدّرات من العوامل التي تسيء إلي قيمة الأسرة ومكانتها لدي الأولاد . وفي مثل هذه الأوضاع سيعرض الشاب عن دراسته وعمله بسبب عدم تمتّعه بالاطمئنان النفسي فنراه في حالة قلق دائم عدم استقرار نفسي . و تتجلّي آثار هذه المعاناة فيما بعد في سنوات البلوغ علي شكل تمرّد و سلوك عدواني وتدفعه إلي ارتكاب الجرائم المختلفة .
مشامعينا الأعزّة !
شكراً علي طيب المتابعة ، وانتظرونا في الحلقة القادمة من برنامجكم نبض الحياة عند موضوع آخر من الموضوعات الشبابيّة ، في أمان الله.