أحبّتنا المستمعين الأكارم !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكلّ المراحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من البرنامج الشبابي نبض الحياة والتي سنلقي فيها نظرة علي إحدي الآفات الاجتماعيّة المهمّة فيما يتعلّق بالشباب ؛ والتي تمثّل معضلة كبيرة يقع الشباب في أسرها بسبب صدقهم وتسرّعهم و اشتياقهم لتحقيق الأماني الطموحة . حيث سنتطرّق في محطّتنا لهذا الأسبوع إلي موضوع الإدمان لدي الشباب ، كونوا معنا ...
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
قُدّمت الكثير من التعاريف لظاهرة الإدمان ، ولكنّ تعريف لجنة الصحة العالميّة لها هو أنها : تسمّم حاد أو مزمن يضر بالأشخاص والمجتمع و هي وليدة استهلاك دواء طبيعي وصناعي يستتبع استهلاكه أعراضاً روحيّة وجسميّة .
إن انتشار هذه الظاهرة المدمِّرة هو من الآفات التي تهدّد كلّ البشر وخاصة الشباب . ومثلّث الفقر والجهل والإدمان يسلب بعضَ الشباب تحرّكَهم وحيويتهم ونشاطهم وخلّاقيتهم ليجعل منهم أشخاصاً مرضي و عديمي الجدوي . وفضلاً عن ذلك فإنّ الإدمان يستتبع الاضطرابات النفسيّة والأعراض الجسميّة و يجعل الآلاف من البشر فريسة للموت ، فضلاً عن أن الإدمان يؤدّي إلي التسبّب في الخلافات العائليّة والتي تؤدّي في النهاية إلي الكثير من الأضرار الاقتصادية والثقافية أيضاً .
وتُظهر الدراسات أن الأشخاص الذين أدمنوا علي أنواع المخدّرات ، كانوا قد مرّوا بالتجربة الأولي علي سبيل التسلية وفي فترة المراهقة ثم خرجت سلوكيّتهم هذه تدريجياً من حالة التسلية وأصبحوا مدمنين من خلال التكرار و ارتفاع مستوي الاستهلاك . ولأن تعاطي المخدّرات يتخذ مساراً تصاعدياً دائماً ، فإن المراهق يبدأ بمقادير قليلة وبما أن المقدار الأوّلي القليل لايؤمّن حاجة الجسم ، فإنه سيضطر إلي أن يزيد من مقدار التعاطي أو أن يقلّل من الفواصل الزمنية بين الاستهلاك والآخر حيث يؤدّي ذلك في النهاية إلي تعلّقه الشديد بالمخدّرات والإدمان .وعلينا أن نتذكّر أن الخلاص من التجارب السلبية المتكرّرة صعب للغاية و مرهِق إلي حد كبير . وتعرب مجموعة أخري من المراهقين الذين بدؤوا بتعاطي المخدّرات عن أنهم عمدوا إلي تعاطي المخدّرات من أجل الهروب من مشاكل الحياة وهمومها و الشعور بإحساس أفضل من إحساسهم الحالي .
مستمعينا الأفاضل !
يبتلي معظم الشباب بتغيّرات جسميّة ونفسيّة مختلفة بعد تجاوزهم مرحلة البلوغ والمراهقة حيث تترك الكثير من التأثيرات علي سلوكياتهم وردود فعلهم النفسيّة فيما يتعلّق بمن يحيط بهم . ويعتبر الشعور بالسخط والعصبيّة و عدم التحمّل و السلوك العدواني وعدم التعاون والاكتراث و تتبّع العيوب من جملة السلوكيّات السيّئة التي تزيد من صعوبة حياة الشباب . وفي بعض الحالات تكون هذه الخصوصيات السلوكيّة الأخلاقيّة لدي الشباب بشكل بحيث تهيء في نفوسهم الأرضية للابتلاء بأنواع الانحرافات والأضرار الاجتماعيّة . فهم في العادة لايتقبّلون قيم آباءهم وأمهاتهم ومعاييرهم الأخلاقيّة و يعملون في الغالب علي البحث عن استقلاليّتهم وإثبات وجودهم.
وتشير نتائج إحدي الدراسات إلي وجود علاقة ذات معني بين أنواع العلاقات بين الوالدين و الأولاد ومستوي انتشار تعاطي المواد المحرّكة والمنشّطة والكآبة لدي المراهقين والشباب .
وللأسرة باعتبارها العنصر الرئيس في المجتمع دور كبير في ظهور الإدمان وعلاجه . ذلك لأن الأسرة هي أصغر وحدة اجتماعيّة وهي في نفس الوقت أكبر وحدة تربوية في المجتمعات وأكثرها تأثيراً بحيث إن هذه المؤسّسة من شأنها أن تكون مصدر التغيّرات الكبيرة الفردية والاجتماعيّة ونموّ القيم الإنسانيّة بين أفرادها. وفي الحقيقة فإن الأسرة هي أهم مؤسسة ينشأ الإنسان فيها .
وتري عالمة النفس الأمريكيّة ديانا بامريند (Diana Baumrind) أن التعلّق الضعيف بالأم ووجود الأب المضطرب والمهمِل في مرحلة الطفولة و السلوك الإيجابي لأفراد الأسرة فيما يتعلّق بتعاطي المخدّرات ، يؤدّي إلي زيادة خطر الابتلاء بتعاطي المخدّرات في مرحلة المراهقة ولذلك فإن من المهم بمكان دراسة العلاقة بين أنواع علاقات الوالدين وبين تعاطي المخدّرات اعتباراً من عهد المراهقة .
ويري الخبراء أن الصبر والانتظار غير محمودين علي الإطلاق من أجل الحيلولة دون العادات والسلوكيات السلبية والشاذة للشباب والمراهقين كي لا يبتلوا بمثل هذه المشاكل ليعملوا بعد ذلك علي العثور علي الحلول وأساليب المواجهة . ومن جهة أخري ، فإن المشكلة لا يمكن حلّها من خلال تجاهل الحقائق القائمة أو إنكارها ، بل إن الأمر سيزداد سوءاً لأننا سنفقد بذلك فرصة إيجاد الحلول . وفي الحقيقة فإن ثمن الحيلولة المؤثّرة دون إدمان الشباب هو يقظة الوالدين والأفراد المؤثّرين في الأسرة .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ذكرنا مراراً في ما مضي من حلقات هذا البرنامج أن الشباب يمثّل النموّ والبلوغ و ترسّخ العادات الفرديّة الثابتة . فالشباب هو المرحلة التي يطرأ عليها التحوّل باتجاه النمو الاجتماعي الصحيح والنزيه من خلال المرور بأنواع الإثارات و الاضطرابات الروحيّة والنفسية المختلفة . وفي خضمّ ذلك فإن الشباب الذين تجمعهم مع أسرهم علاقات صميمية ووثيقة و ويشعرون بالرضا والسرور لوجودهم ، لا يتجهون نحو السلوكيّات الشاذّة إلا في النادر . وبناء علي ذلك فإن بإمكان الوالدين أن يعينوا أولادهم علي بلوغ النجاح من خلال توفير الظروف المناسبة ، وعلي العكس من ذلك فإنّ بمستطاعهم أن يحوّلوا محيط الأسرة المفعم بالحنان والرحمة إلي جهنم حارقة يتلظّي أولادهم بنيرانها .
يقول الإمام علي عليه السلام :
" وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ. كَالاَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْء قَبِلَتْهُ .
مستمعينا الأطايب !
بهذا نصل بكم إلي ختام حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامجكم نبض الحياة ، أوقات طيّبة قضيناها مع حضراتكم وحتي نجدّد اللقاء بكم عند تكملة حديثنا حول أسباب وعوامل ظاهرة انتشار الإدمان بين الشباب ، نودّعكم ، متمنّين لكم أطيب الأوقات