أحبّتنا المستمعين الأفاضل في كلّ مكان !
تحايانا القلبيّة نبعثها لحضراتكم في هذه الجولة الجديدة في عالم الشباب وقضاياه عبر برنامجكم نبض الحياة والتي سنستكمل فيها حديثنا حول بناء المستقبل ودوره في حياة الشباب علي ضوء النظرة الإسلاميّة ، رافقونا ...
مستمعينا الأكارم !
عهد الشباب هوالعهد الذهبي في حياة الإنسان ؛ لأن الطاقة والقدرة في هذه المرحلة من الحياة لا يمكن مقارنتهما مع المراحل الأخري ، فالشاب يبلغ في هذه المرحلة ذروة قوّته الجسمية والنفسية . والإبداع الفكري ، والقدرة علي التحليل ، وحل القضايا ، وتقديم الحلول المؤثّرة وما إلي ذلك يبلغ كلّه قمّة ازدهاره في الشباب وتبقي آثارها مع الإنسان حتي نهاية عمره . وعدم الالتفات إلي قيمة الشباب و مرور العمر ، يستتبع الكثير من الآثار البالغة الضرر والتي لا يمكن تلافيها .
مستمعينا الأعزّة !
تحدّثنا في حلقة البرنامج المنصرمة عن ضرورة الرؤية المستقبلية واهتمام الشباب بقضايا المستقبل . ومن المصاديق البارزة للرؤية المستقبلية سعيُ الشاب من أجل العثور علي العمل والمهنة المناسبة ؛ لأن الشاب يصل إلي هدفه عبر الفكر و الجهد و العمل ومفتاح نجاحه العملُ والسعي . يقول سماحة قائد الثورة الإسلامية حول أهمية عمل الشباب :
إن نشاط الشاب ومعنوياته تكمن في العمل ؛ فالشاب عليه أن يمتلك القدرة علي العمل . والشاب الذي يعمل ، يكون داخله ومعنوياته مفعمة بالبهجة والحيوية ؛ كما أنه يكون في نفس الوقت كالنخلة المثمرة التي ينتفع الآخرون من ثمارها الحلوة ؛ بمعني أنه يجمع بين الحيوية في ذاته وبين تقديم الفائدة للآخرين . وحينما لايكون بمقدور الشاب أن يحصل علي العمل اللازم ، ستقل حيويته هو نفسه أو تزول كما أن الآخرين سوف لا ينتفعون من ثمار وجوده .
وقد أظهرت الدراسات أن العمل المصحوب بالرغبة والاهتمام ، يستتبع الثقة بالنفس و الاطمئنان النفسي . ويذكّر العالم النفسي موريس روزِنبرغ (Maurice Rosenberg) أن من أهم العوامل المصيرية في نمو الثقة بالنفس في شخصية الحَدَث والشاب ، مدي تعامله مع الآخرين والمحيط الاجتماعي ومدي تمتعه بالشعبيّة . والحدث أو الشاب الذي لديه عمل ومهنة ، يرحّب به المجتمع أكثر و يمتلك ثقة عالية بالنفس .
وفي الحقيقة فإنه يكتسب الهوية والمعني من خلال العمل والسعي ويجب توجيه قوة الشاب في هذا العهد وقدراته نحو ذلك الاتجاه ؛ وقد دعا نبيّنا الأعظم (ص) كلّنا إلي العمل ، في نفس الوقت الذي أكّد فيه علي نوع العمل قائلاً :
" اعملوا فكلّ ميسّر لما خُلِق له .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
إن حاجة الشاب إلي العمل ، هي حاجة ضرورية دون شك و قد كانت قائمة دوماً إلي جانب الحاجات الأخري مثل الزواج والدراسة والسكن . و العمل هو عامل يؤثر بشكل صريح علي الحياة و مستوي الرفاهيّة العامة و رضا الأفراد عن الحياة . ولذلك فإن توفير فرص العمل سيكون أمراً في غاية الأهميّة . وتعتبر مزاولة العمل والمهنة باعتبارهما مصدراً للدخل ، و البطالة أو عدم امتلاك العمل بمنزلة الحرمان من الدخل .
والمجتمع الذي لم يتمّ فيه إصلاح موضوع العمل بشكل صحيح ، لاتلبث الأزمات أن تنمو فيه و تتجسّد مظاهر الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي المدمّرة . ولذلك فإن العمل ضروري لسلامة المجتمع و الحياة المثاليّة فضلاً عن بُعده الاقتصادي وإيجاده للدخل .
والعمل يتمتّع بأهمية مضاعفة بالنسبة إلي الشباب فهو له آثار تربويّة ونفسيّة واجتماعية وروحية ، فضلاً عن تأمينه للاحتياجات الاقتصاديّة . ويعتبر علماء الاجتماع مزاولة العمل و الانشغال به والجهد المفيد والبنّاء من العوامل الأساسيّة في صحّة النفس وسلامة الروح . والبطالة أو القيام بالعمل غير المفيد هو من المشاكل الأساسية للشباب في الحياة الفردية والاجتماعية ومن عوامل الاضطراب والكآبة . والبطالة لا تضرّ بالفرد والمجتمع من الناحية الاقتصادية فحسب ، بل إن ضررها وخطرها الأكبر يعدّان من الأضرار الروحية والسلوكية أيضاً ؛ لأن البطالة تحط من شأن الإنسان وشخصيته الحقيقيّة وتبعده عن الوقار والثقة بالنفس التي تحصل علي إثر العمل والسعي ، فالعمل يمنح الإنسان الشخصية والعزّة والمروءة بل إنه يصونه من الآفات والانحرافات .
يقول الإمام الكاظم عليه السلام حول الآثار التربوية والنفسية للعمل :
"الْيَأسُ مِمّا في اَيْدِي النّاسِ عِزُّ الْمُؤْمِنِ في دينِه وَمُرُوَّتُهُ في نَفْسِهِ وَشَرَفُهُ في دُنْياهُ وَعَظَمَتُهُ في اَعْيُنِ النّاسِ وَجَلالَتُهُ في عَشيرَتِهِ وَمهابَتُهُ عِنْدَ عِيالِهِ وَهُوَ اَغْنَي النّاسِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَعِنْدَ جَميعِ النّاسِ .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ولمزاولة العمل والانشغال بمهنة مناسبة آثار مهمّة أخري . ويري الشهيد المطهّري أن العمل يؤدّي إلي تركيز قوّة الخيال والسيطرة عليها ؛ بمعني أننا إن لم نشغل أنفسنا بعمل ما ، فإنه سيشغلنا هو نفسه . كما يعتبر عاملَ الحيلولة دون ارتكاب الذنب . و كان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) اذا نظر الي أحد فأعجبه فقال هل له حرفة فإن قالوا لا قال سقط من عيني قيل و كيف ذاك يا رسول الله قال لأن المؤمن اذا لم يكن له حرفة، يعيش بدينه .
والشاب الذي يعتمد بشكل كامل علي أسرته من الناحية الاقتصادية ثم يحقق الاستقلال المالي بعد العمل ، فإن حلاوة استلامه لأول أجر له لا يمكن أن ينساها ؛ لأنه نجح في أن يري نتيجة سعيه وجهده . فالشعور بالاستقلال هو من الحاجات المهمة التي يمكن للشاب إشباعها من خلال العمل .
والحاجة النفسية الأخري التي تبلغ ذروتها في هذه المرحلة من الحياة ، هي اكتساب الهويّة أو البحث عن الهويّة . فالشاب الذي يجتاز أكثر مراحل حياته حسّاسية ودقّة ، يبحث دوماً عن هويته في هذه المرحلة بضميره الباحث عن الحقيقة . فهو يريد أن يضفي المعني علي نفسه ، وأن يؤسس لنظام وسلوك نفسي جديد و أن يُعرَف في المجتمع وأسرته علي ضوئه . والعمل يعين الشاب علي أن يضفي الهوية علي نفسه ، وينقذه من الوقوف عند مفترق الطرق و من الحيرة بالتالي .
أحبّتنا المستمعين ! كلّ شكرنا وتقديرنا نقدّمه لكم علي حسن متابعتكم لنا في هذه الحلقة من برنامج نبض الحياة وحتي نلتقيكم عند موضوع آخر من المواضيع التي تهمّ الشباب ، نودّعكم متمنّين لكم أطيب الأوقات . "