إخوتنا ، أخواتنا المستعين والمستمعات في كل مكان !
تحايانا الخالصة نبعثها لحضراتكم في هذه الجولة الأخري التي نصطحبكم من خلالها بين أرجاء عالم الشباب وقضاياهم عبر برنامجكم نبض الحياة ، ندعوكم لمرافقتنا ....
مستمعينا الأفاضل !
سنتعرّف في هذه الحلقة من البرنامج علي التأكيدات الخاصة للدين الإسلامي بشأن طلب العلم وخاصة بين الشباب ، حيث إن النجاح هو من القضايا التي تؤدّي إلي التحرّك وإلي دَفَق جديد من الحماس لدي الشباب ، وهنالك شرطان لتحقيق هذا النجاح ؛ أحدهما رفع مستوي العلم والمعرفة والآخر استعداد الشاب وقدرته علي التكيّف من أجل مواجهة المشاكل والقضايا المعقّدة في الحياة . وعلي الإنسان استناداً إلي طبيعته وكذلك التعاليم المشتركة لكلّ الأديان السماويّة أن يبلغ بنفسه إلي الكمال من خلال الاستناد إلي الوعي والعلم والقدرة علي الإبداع .
والإنسان العاقل والواعي يبقي بمأمن من الأضرار والآفات وتُفتَح أمامه أبواب السعادة والهناء . والشباب الذين يتمتّعون بقوّة الذاكرة و قوّة الفكر وإرادة الشباب ، بحاجة كبيرة إلي الوعي والتعليم من أجل إكمال تجارب الحياة كي يجدوا عبر قوّتهم الفكرية الطريق الصحيح للتطوّر في الحياة ويسيروا فيه بشكل جاد . والعلم هو جمال الحياة و هو الذي يزيّن الشاب و يضفي عليه صورة قيّمة لدي الآخرين . و تلقّي العلم والمعرفة في عهد الشباب ، هو أهم عنصر أساسي لتكامل الإنسان وتطوّره و الممهّد لبناء مجتمع متطوّر ومستقبل زاهر .
وفي الحقيقة فإن تلقّي العلم والمعرفة يمثّل أهم المسؤوليات والواجبات الملقاة علي عاتق الشباب كما أن عهد الشباب هو أفضل عهود اكتساب العلم . ولذلك يقول رسول الله (ص) :
" العلم في الصغر ، كالنقش علي الحجر .
والشاب يبلغ الرؤية الدينية الصحيحة من خلال العلم والوعي ويمكنه أن يحافظ علي حرمته الدينية بشكل أفضل ، كما قال الإمام علي عليه السلام :
" يا مَعْشَرَ الْفِتيانِ، حَقِّنُوا اَعْرافَكُمْ بِالاَدَبِ وَ دينَكُمْ بِالْعِلْمِ.
أحبّتنا المستمعين !
لقد بدأ نبيّ الإسلام (ص) منذ انطلاق رسالته عهداً كان يتميّز بانتصار العلم علي الجهل . وعلي هذا الأساس ، يروي أنه (ص) خرج ذات يوم فإذا في المسجد مجلسان، مجلس يتفقهون، ومجلس يدعون الله تعالى ويسألونه، فقال: "كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيدعون الله، وأما هؤلاء فيتعلمون ويُفَقِّهُونَ الجاهل، هؤلاء أفضل!، بالتعليم أُرْسِلْت، ثم قعد معهم .
و يبيّن الإمام علي عليه السلام في كلام له أهميّة العلم والمعرفة في قوله :
" ما لي أرى الناس إذا قُرِّب إليهم الطعام ليلاً تكلفوا إنارة المصابيح ليبصروا ما يدخلون بطونهم، ولا يهتمون بغذاء النفس بأن ينيروا مصابيح ألبابهم بالعلم، ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب في اعتقادهم وأعمالهم .
وهنا يتبادر السؤال التالي إلي الأذهان وهو : ماهو العلم الذي يوصل الشاب إلي السعادة ، بل ماهو العلم الأفضل ؟
يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام في هذا المجال موصياً ولده الإمام الحسن (ع) :
" وَ رَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ، وَ أَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَ أَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ وَ مُقْتَبَلُ الدَّهْرِ: ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَ نَفْسٍ صَافِيَةٍ؛ وَ أَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ تَأْوِيلِهِ وَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَ أَحْكَامِهِ وَ حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ لَا أُجَاوِزُ ذَلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِهِ .
إن العلم يوصل الإنسان إلي مرتبة الأحرار و يتميّز من خلاله الحرام عن الحلال . وتعلّمه حسنة عند الله ، وقراءته وتعلّمه تسبيح ، وطلبه والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة . يقول الإمام الصادق عليه السلام في ذلك :
" لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالين : إما عالماً أو متعلماً ، فإن لم يفعل فرّط ، فإن فرّط ضيّع ، فإن ضيّع أثم ، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
وعلي المسلم أن يتعلّم العلوم التي يحتاجها ويحتاج إليها المجتمع ، وأن يجتهد ما استطاع في تعليمها للآخرين . والعلم هو ضالّة كلّ مسلم وهو يبحث عنه باستمرار . وعلي حدّ تعبير النبي (ص) فإن الملائكة تمدّ أجنحتها علي الأشخاص الذين يطلبون العلم . كما أن الكائنات السماويّة والأرضية بل وحتي الحيتان في البحر تدعو لمثل هؤلاء الأشخاص و تطلب لهم المغفرة .
ومن وجهة نظر علماء الاجتماع فإن الإنسان إن سار في طريق طلب العلم خلال مدّة عمره القصيرة ، فإن بإمكانه أن يرشد المجتمع نحو التطوّر وأن يقود نفسه باتجاه السعادة . ذلك لأن الهدف من خلق الإنسان ، اكتساب المعرفة والحصول علي الكمال . ولذلك ، فلاينبغي للإنسان أن يكرّس عمره كلّه وقدراته لتأمين حاجاته المادية ، بل يجب أن يكون بصدد اكتساب المعرفة والعلوم المفيدة .
إن الشباب و الأحداث في كل مجتمع يمثّلون كنوزاً إن استغلّها المجتمع كما ينبغي و أرشد هذه الشريحة الفاعلة و المتحمّسة من خلال سلوكه الحكيم وتكريم شخصياتهم و احترام حاجاتهم ، فإنهم – أي الشباب – سيحققون أهدافهم و مَثُلهم ، فضلاً عن أن المجتمع سوف يحافظ عليهم من خطر الانحراف و التردّد في الهويّة و الآفات الاجتماعيّة ، و يهدون قلوبهم النقيّة نحو الأعمال الصالحة و مظاهر الجمال والأخلاق الحميدة و سيؤمّنون بذلك المجتمع القادم من حيث السلامة وصيانة القيم والثقافة .
وأمير المؤمنين (ع) الذي يعتبر قلب الشاب كالأرض الخالية و المهيّأة للزرع ، أوكل هو نفسه في عهد صباه وشبابه مزرعة قلبه إلي يد رسول الله (ص) القديرة و لم يأل جهداً في اكتساب العلم وتحصيله . فقد توصّل إلي الشجرة الطيّبة لأفضل العلوم من خلال تنميته لبذور المعرفة التي تلقّاها من النبي(ص)حيث يقول في هذا الصدد :
" وقد كنت أتبعه إتباع الفصيل لأثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به .
مستمعينا الأعزّة ! دقائق ممتعة ومفيدة قضيناها معكم في جولتنا لهذا الأسبوع بين رحاب قضايا الشباب ، وعلي أمل أن تكون لنا معكم وقفة أخري عند مواضيع شبابية أخري في حلقتنا القادمة من برنامج نبض الحياة ، نترككم في رعاية الله و حفظه ، و إلي الملتقي .