مستمعينا الأكارم !
سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته ، وكلّ المراحب بكم في هذا اللقاء الجديد من برنامجكم نبض الحياة والحديث سيدور في هذه الحلقة عن ضرورة إقبال الشباب علي القرآن الكريم والآثار الإيجابيّة لذلك في حياتهم ، كونوا معنا ...
مستمعينا الأفاضل !
سنتحدّث في لقائنا معكم في حلقة هذا الأسبوع عن فوائد إقبال الشباب علي القرآن الكريم وأنسهم به ، فمن المعلوم أن الشباب هو ربيع العمر وبداية المنعطفات الروحيّة والجسميّة والوصول إلي البلوغ والنموّ . وعهد الشباب هو العهد الذي يلقي الغرور و الإثارة والأحاسيس والشهوة وعدم النضج العقلي وغير ذلك بظلاله علي الإنسان . و ما يمكنه أن يوجّه هذه الأحاسيس باتجاه الهدي و يسير بالإثارات والحماس والرغبات نحو الوجهة الصحيحة ، هو التشريع الإلهي ، أي القرآن وروايات المعصومين عليهم السلام ، وفي جولتنا لهذا الأسبوع بين قضايا الشباب سنتوقّف عند موضوع الشباب والفوائد التي لابدّ أن تتمخّض عن الإقبال علي القرآن والأنس به ؛ هذا الكتاب الذي لايفارق الشاب حتّي يبلغ أعلي درجات الكمال ، تابعــونا ...
مستمعينا الأطايب !
يتمتع الشباب بالطاقات و العلائق الدينية . وأذهانهم تزدحم بالكثير من الأسئلة حول الدين والعرفان والجوانب المعنوية والروحيّة . ولذلك ، فإن تعرّف الشباب علي الدين له أهميّة أكبر ، لأن بلوغ ذري النجاح واجتياز طريق الحياة المليء بالتعرّجات والمنعطفات ، لا يمكن إلّا عبر النزعة الدينيّة .
وكما يجب الالتفات إلي أذواق الشباب ورغباتهم في هدايتهم و تكييف عملية تربيتهم مع مقتضيات ذاتهم وطبيعتهم ، فإن علينا الالتفات أيضاً إلي تعطّشهم الداخلي في مجال معرفة الكون ومعرفة الله ، لأنهم مستعدّون لتلقّي الحقائق بروحهم النقيّة وخلوص باطنهم و من الواجب توجيهُهم نحو الطريق الصحيح للحياة . وتعطّش الشباب إلي الدين لا يروي إلّا إذا تعرّفوا علي ينبوع الحياة الغني والحقيقي .
والقرآن الكريم كتاب هو من أهم المصادر الحيويّة وهو الكتاب الهادي الذي أنزله الله تعالي بشكل خاص علي قلب النبي (ص) . وآيات القرآن المنطقيّة و العقليّة ، تجذب و تبهر فطرة الإنسان الطاهرة و المتعشّقة للجمال وتدعوه إلي التفكّر والمعرفة وأخذ العبر من الأحداث الماضية والحاضرة .
والقرآن كتاب هداية و الإنسان بحاجة إلي الهادي والمرشد باعتباره كائناً ممتازاً يتمتع بالفكر والإرادة . وبما أن القرآن هو الإعجاز الإلهي الكبير ، فإنه كالشمس الساطعة التي تشيع الحيويّة والنشاط في من يقف أمام ضيائها الواهب للحياة . ولذلك ، فإن الإنسان المؤمن بالدين يتوصّل من خلال الرجوع إلي القرآن إلي حقائق جديدة وبديعة و يميّز عبر البصيرة الحق من الباطل والصحيح من الخطأ .
مستمعينا الأعزّة !
إن القرآن يجذب القلوب نحوه بتعاليمه ويقدّم الأسلوب الصحيح للحياة للبشريّة وخاصة الشباب . وهدف القرآن أن يعمّ الاتحاد والسلام والمحبّة المجتمعَ البشري . وفي هذا المجال تدعو آياته الناس إلي اجتناب الظلم و وضع التوحيد علي رأس أولويّات حياتهم . والفرصة الأفضل لتعلّم القرآن هي مرحلة الحداثة والشباب وما يتعلّمه الشباب في هذا العهد يبقي خالداً . يقول النبي (ص) :
" مثل الذي يتعلم في صغره كالنقش على الحجر ، ومثل الذي يتعلم في كبره كالذي يكتب على الماء .
وقد دعا الأئمة المعصومون (ع) بدورهم كلّ الناس وخاصة الشباب إلي تلاوة القرآن الكريم والأنس به كي ينالوا من معارفه الخالصة والمزكّية للنفوس نصيباً متزايداً . وكلّما اقترب الشاب من روح القرآن ، فسوف يتجلّي فيه الصفاء والقيم المعنويّة وسيبقي بعيداً بنفس النسبة عن الانحرافات الأخلاقيّة .
وعلي الشباب أن يولوا الاهتمام للقرآن وأن يعتبروه المؤنس الأفضل لهم . يقول الإمام زين العابدين عليه السلام حول القرآن ؛ هذا المؤنسِ الأفضل للشباب :
" لَوْ مَاتَ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَعِي .
ويقدّم القرآن الكريم في آياته بعض النماذج للشباب الصالحين لكلّ الشباب كي يكون بمقدورهم من خلال تلقّي الدروس من أخلاق الشباب القرآنيين وسلوكهم أن يديروا حياتهم ويسيروا باتجاه الكمال الإلهي . ويعتبر النبي يوسف عليه السلام من الشباب النموذجيين في القرآن . فحينما بلغ مبلغ الشباب ، اجتاز أحد أصعب الاختبارات الإلهيّة ؛ اختبار العفّة والطهر واختبار التوكّل إلي جانبه . ففي ظل الظروف التي كانت فيها عاصفة المشاكل تنقض عليه من كلّ صوب ، اتخذ قراره بكل جرأة و رفع يديه بالدعاء قائلاً بعد أن دعته النساء المهووسات إليهنّ :
" قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ .
وفي المقابل فإن الله تعالي لم يتركه وحيداً و حفظه من مكر أولئك النساء . وأخيراً ثبتت طهارته وعفّته و انكشفت خدعة امرأة العزيز . وبذلك فإن قصّة يوسف الشاب تعلّمنا أن الشاب عليه من وجهة نظر القرآن أن يتوكل علي الله بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني لا علي قوّة ذراعه ولا حتي علي قوّة إيمانه .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
وتقع علي عاتق المربّين في المجتمع مسؤوليّة نشر ثقافة القرآن الذي يمثّل واسطة الارتباط بين العباد وخالق العالم ، وتعريفهم بكتاب الله و تكييف سلوكهم وفكرهم مع القرآن ليخرجوا بذلك القرآن من العزلة والانزواء . وإذا ما أنس الشباب بالقرآن ، فإن آياته سوف تمتزج بقلوبهم وأرواحهم ليشيع النور في قلوبهم . يقول الإمام الصادق عليه السلام :
" مَنْ قَرَأ القرآن وَ هُوَ شابٌّ مؤمنٌ اِخْتَلَطَ القرآنُ بِلَحْمِهِ وَ دَمِهِ .
وقد عُرِف عن سماحة قائد الثورة الإسلاميّة " حفظه الله ورعاه " باهتمامه وحرصه الخاص علي نشر الثقافة والقيم القرآنية وخاصة بين الجيل الشاب . فهو يقول في كلمة له وجّهها إلي الشباب :
أعزّائي ! أيّها الشباب الأعزّاء ! إن تلاوة القرآن هي فضيلة كبري وثواب عظيم ؛ ولكن هذه التلاوة وسيلة لبلوغ المعرفة . فهذا القرآن محيط عظيم . وكلّما مضيتم إلي الأمام كلّما ازداد تعطّشكم للقرآن ورغبتكم فيه و ازدادت قلوبكم نوراً . ويجب التدبّر في القرآن . وأنا أطلب منكم أيّها الشباب مرّة أخري أن تأنسوا بمعاني القرآن وأن تفهموا ترجمة القرآن . ولقد طالبتُ الشباب بذلك مراراً و طبّقه الكثير منهم بالفعل . فأنتم تقرؤون القرآن كلّ يوم . وحينما تقرؤونه عليكم أن تتأملوا معانيه ؛ ولتترسّخ هذه المفاهيم في أذهانكم الشابّة . وفي هذه الحالة سوف تسنح لكم فرصة التدبّر فيه .
بهذا نصل بكم أيّها الأحبّة إلي ختام جولتنا لهذا الأسبوع بين قضايا الشباب وهمومهم عبر برنامجكم نبض الحياة ، تقبّلوا منّا فائق الشكر والتقدير علي كرم متابعتكم ، وإلي الملتقي .