مستمعينا الأحبّة !
نحيّييكم أجمل تحيّة ونحن نعاود اللقاء بكم عند محطّة أخري من برنامجكم نبض الحياة وكلّنا أمل في أن تمضوا معنا دقائق ممتعة ومفيدة مع حلقتنا لهذا الأسبوع التي سنخصّصها للحديث عن الشعور بالمسؤوليّة ودوره في بناء شخصيّة الشباب ، ندعوكم للمتابعـــة ...
مستمعينا الأكارم !
يعكس الشعور بالمسؤوليّة و الالتفات إلي الالتزام و الواجب والاهتمام بهما في مجال العلاقة مع الخالق ومخلوقاته ، نطاقَ شخصية الإنسان ومدي اختلافه عن الجمادات والنباتات والحيوانات ، وأنه يتمتع بالإحساس والعاطفة والفكر والمعرفة ، و يري بمنظار الحكمة ، و يتخذ القرار بعد تفكير و ينفذّه بوعي و قد يصل أحياناً إلي مرتبة الخليفة الإلهي من خلال أدائه لواجبه ليسبق بذلك الملائكة .
وفي الحقيقة فإن المسؤولية والالتزام يمثّلان في كل لحظة من الحياة حقيقة لا يمكن إنكارها وأكّدت الآيات و الروايات علي القيام بها . يقول نبيّنا (ص) :
"لا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ , وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ , وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ , وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ .
ورغم وجود بعض المصاعب في أداء واجبات العبودية،ولكنّ الحلاوة والاستعذاب الروحي و الشعور بالرضا والاطمئنان والذي يحصل منه ، كلّ ذلك يمكّن الإنسان من التغلّب علي العقبات والمشاكل . ولذلك ، يري بعض الباحثين أن أداء الواجب هو الطريق الذي ينتهي بالجنّة .
وفضلاً عن ذلك ، فإن أداء أي واجب ومسؤوليّة ، يزيد من ثقة الشباب بأنفسهم و يُعدّهم لقبول مسؤوليّات أعظم وأوسع . كما يحسّن بشكل لافت من عمليّة التحديث والتنمية الإجتماعيّة .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
إن الشاب الذي يدخل عالم العمل والمسؤوليّة ، يتحمّل بشكل أفضل الضغوطَ الناجمة عن التوتّر والحماس في عهد المراهقة و يتسارع نموّه الاجتماعي والفكري والعاطفي ، والأهم من ذلك هو منح الفرصة للشباب من أجل أن يختبروا أفكارهم خلال العمل ليوسّعوا بذلك نموّهم تدريجياً ، و يضعوا خطة مناسبة لأداء أدوارهم العملية والاجتماعيّة ويعيّنوا برنامجهم في الحياة . ويري الباحثون أن كل الأشخاص إن عملوا بمسؤوليّاتهم واعتبروا أنفسهم ملزمين بأدائها فإن المجتمع سيحظي بالمزيد من التطوّر و ستنخفض الجرائم فيه بنسبة كبيرة . وتلعب الأسرة في هذا المجال باعتبارها المؤسسة الأولي التي يكتسب منها الفرد الكثير من أبعاد شخصيته اعتباراً من ولادته ، دوراً مهماً في إيجاد روح قبول المسؤوليّة .
وقد طُرحت الكثير من المباديء والقضايا فيما يتعلّق بقبول المسؤولية ، ومنها أننا لا نستطيع قبول المسؤولية الاجتماعية إلا إذا شعرنا بالمسؤوليّة أيضاً في قبال الأشخاص القريبين منّا . وبعبارة أخري ، فإننا لا يمكن أن نتوقّع من الشاب أن يقبل المسؤولية إلّا إذا شعر هذا الشاب بالمسؤولية وقبولها فيما يتعلّق بالأسرة والأصدقاء و الأشخاص الذين يعيش معهم في محيطه .
إن الاختلاف البارز بين الإنسان والكائنات الأخري يكمن في " العقل " أو " المعرفة " . وأولئك الذين يعتبرون أنفسهم في نطاق وجود " الإنسان "ويفسّرون الإنسان بأنه كائن مسؤول بالنسبة إلي نفسه و ومجتمعه وخالقه ، لا شك في أنهم لا يبتلون أبداً بالروتين اليومي والعبث أو الضياع والتردّد . ولا شك في أن اطلاع الجيل الشاب علي مثل هذه البصيرة والرؤية ، يؤدّي إلي زوال التردّد والقلق ، و عدم هدر الثروات البشريّة و الاستغلال المناسب والصحيح للفرص القيّمة في الحياة.
أعزّتنا المستمعين !
وعلي العكس من ذلك ، فإن استحقار النفس و خسرانها و الإيحاءات السلبية ، و النظرة الاستعلائية من قبل الآخرين و قلّة الوعي كلّ ذلك يعزّز من مشاعر الخوف والقلق و يوقع ذلك الإنسانَ بموازاة ذلك في حالة انعدام الإرادة ، والتهرّب من المسؤوليّة وطلب الراحة و التقاعس . ولذلك فإن الخوف يؤدي إلي الفشل و الذلّ والعجز الظاهري والابتلاء بالقبح والنقص والآفات التي تشكّل تهديداً علي فضائل الحياة وقيمها الجميلة . وقد قدّمت الأحاديث والإرشادات الدينيّة تعليمات لتنقية شخصية الإنسان من هذه الآفة ، فضلاً عن التعريف بظاهرة الخوف باعتبارها شذوذاً في الشخصية ، حيث يقول أمير المؤمنين علي (ع) في هذا المجال مؤكّداً علي أن الكسل والضعف و التقاعس يعتبر آفة خطيرة تقف حائلاً أمام كمال الشخصية وخاصة بالنسبة إلي الشباب و علاج كل ذلك يكمن في العزم الأكيد والإرادة القويّة لتجاوز تلك الآفات .
وإذا ما أذعنّا لحقيقة أن الحياة الدنيا هي ساحة الاختبار والبلاء أو بالأحري ساحة سباق تطرح فيها السرعةُ بل السبقُ فضلاً عن الحركة ، فإن الضعف والإهمال و التقاعس لا يمكن أن يجعل الجسم والروح في قبضة اللاأبالية و عدم الاكتراث أو الاستهزاء بكل حقائق الحياة كي يحال بينه وبين تقبّل المسؤوليّات من خلال التملّص منها وتأجيلها . و لم يكن من باب العبث أن الأئمة (ع) كانوا دوماً يعوذون بالله من حالة الكسل والتقاعس المدمّرة كما جاء في الدعاء :
" اللهم إني أعوذ بك من العجز ، والكسل ، والجبن ، والبخل ، والهرم ، والقسوة ، والغفلة ، والعيلة ، والذلة ، والمسكنة ، وأعوذ بك من الفقر ، والكفر ، والفسوق ، والشقاق ، والنفاق ، والسمعة ، والرياء .
مستمعينا الأفاضل !
ومن التمارين المعروفة التي يؤكّد عليها علماء النفس ، تصفيةُ الأفكار ، لأن بداية طريق النجاح تتمثّل في قبول المسؤوليّة و الرفعة والعزّة في الحياة . وفي هذه المرحلة تترسخ المعتقدات والقناعات في أعماق روح الشاب ، وتتحوّل إلي قناعات إيجابيّة و يتم العمل علي ضوئها . وعلي هذا فإن هذه المرحلة لايوجد فيها أبداً مكان لكلمات وتعابير مثل لا أستطيع و ولا أريد و أخاف و وأنا سيّء الحظ وما إلي ذلك .
و يعني التعبير عن العجز و التطيّر في التعاليم الدينية ، تجاهلَ الأفكار والأفعال أو قرارات الأشخاص وسعيهم و اعتبار إرادة الله مفرغة من التأثير في المجالات المختلفة من الحياة ، حيث ورد ذمّها الشديد كما يقول الإمام الصادق سلام الله عليه :
" الطيرة على ما تجعلها: إن هوّنتها؛ تهوّنت.. وإن شدّدتها؛ تشدّدت .
والتمتع بالأساليب و الأذواق الخالصة والأصيلة والجديدة واستخدام الحلول غير المباشرة لتشجيع الشباب علي قبول المسؤولية وأداء الالتزامات ، كل ذلك له أكبر الأثر في ميلهم إلي أداء تلك المسؤولية والالتزامات . وتعرُّف الجيل الشاب علي حياة وسيرة الشخصيات العصاميّة و عمالقة الفكر والأخلاق من أجل تشجيعهم علي السعي الواعي و التفكير الخلّاق ، هو من جملة تلك الحلول . كما أن تشجيع الشباب علي رفع مستواهم العلمي و توسيع المعلومات العامة عن الحياة له دور مهم في القبول الواعي للمسؤولية و أدائها الناجح .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
حتّي نجدّد اللقاء بكم في الحلقة القادمة من برنامج نبض الحياة نستودعكم الله ، وإلي الملتقي .