مستمعينا الأحبّة في كلّ مكان !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكلّ المراحب بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بحضراتكم عبر برنامجكم الشبابي نبض الحياة والذي سنواصل الحديث فيه من خلال حلقة هذا الأسبوع عن الصداقة والأصدقاء ودورهما في حياة الشباب ، تابعونا .....
مستمعينا الأفاضل !
نبدأ حديثنا بطرح التساؤلات التالية : لماذا يحتاج الإنسان إلي معاشرة الصديق ؟ هل لأنه كائن اجتماعي أم لأنه يرغب من خلال المعاشرة في اكتساب الرؤية الصحيحة إلي الحياة والمعرفة الاجتماعية ؟
وفي الحقيقة فإن الشباب يميلون إلي إقامة علاقات الصداقة مع الآخرين أكثر من غيرهم لسببين : الأول لأنهم يريدون أن يشغلوا مكانة بين أبناء عمرهم وأن يرحَّب بهم كي يتغلّبوا عبر ذلك علي شعورهم بالوحدة ، والثاني أن الشاب بإمكانه وهو في حلقة علاقات الصداقة أن يعبّر عن ذاته ووجوده و يجسّد جانباً من قدراته .
والشباب يعشقون الصداقة بحكم جاذبيتهم الطبيعية والذاتية و هذه الجاذبية تدفعهم إلي إقامة أعمق علاقات الصداقة مع شخص واحد أو عدّة أشخاص . وعلي الشاب أن يعلم أن الصديق مرآة صديقه وأن الدقة في اختيار الأصدقاء المخلصين والابتعاد عن أصدقاء السوء تبلغ من الأهميّة حداً بحيث إن هاجس كيفية اختيار الصديق الصالح والمخلص ، يعتبر كمالاً وقيمة للشاب . وفي الحقيقة فإن مجالسة الصديق هي من العوامل المؤثرة في تأسيس الخصوصيات الأخلاقية للإنسان و تشكّل شخصيته ولها إلي جانب الوراثة والتربية ، دورٌ بالغ الأهميّة في تشكيل طبيعة الإنسان وتربيته . ولذلك ، فإن الشخص الذي يعقد ميثاق الصداقة مع الآخرين بشكل غير مدروس ، فإنه سيضطرّ إلي معاشرة الأشخاص الفاسدين . يقول النبي الأعظم (ص) في وصية له :
" الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ .
ويري النبي (ص) أن أفضل الأصدقاء هم الذين يقرّبون الإنسان من ذكر الله ومحاسن الأخلاق . وقد روي أن ابن عبّاس (رض) سأله يوماً عن أفضل الأصدقاء ، فأجابه(ص) بأنه مَن يذكّر مرآه بالله ، و يزيد حديثه من علم الإنسان ، و يرغّب عمله في الآخرة .
ويصف رسول الله (ص) الجليس الصالح وجليس السوء بقوله :
" إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة .
أحبّتنا المستمعين !
إن تعزيز الصداقة هي من أجمل فنون الشباب ومهاراتهم و يمكن تخليدها من خلال ترسيخ الصداقات وتعميقها . وبالطبع فإن تحقيق هذا المطلب الهام يتطلّب الالتزام ببعض الأصول . ومن هذه الأصول ، الإعلان عن المحبّة . فالتعبير عن محبّة الصديق ، له أهمية فائقة في تخليد الصداقة وتعزيزها .
روي عن رسول الله (ص) أنه قال :
" إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ ، فإنّه أثبتُ للمودّة .
ومن الأصول الأخري ، قضاءُ حاجة الصديق وإيصال الفائدة إليه ، وخاصة عند العجز وعدم القدرة حيث يشكّل ذلك أساسَ الصداقة . وفي هذا المجال أيضاً يقول النبي (ص) :
" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
هذا وقد جاء في رواية معبّرة للغاية عن الإمام الصادق سلام الله عليه حول خصوصيات الصديق الصالح :
"" لا تَكُونُ الصَّدَاقَةُ إِلا بِحُدُودِهَا فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْحُدُودُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَانْسُبْهُ إِلَى الصَّدَاقَةِ وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهَا فَلا تَنْسُبْهُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الصَّفةِ ؛
أنْ تَكُونَ سَرِيرَتُهُ وَ عَلانِيَتُهُ لَك
أَنْ يَرَى زَيْنَكَ زَيْنَهُ وَ شَيْنَكَ شَيْنَهُ
أَنْ لا تُغَيِّرَهُ عَلَيْكَ ولاية وَ لا مَالٌ
أَنْ لا يَمْنَعَكَ شَيْئاً تَنَالُهُ مَقْدُرَتُهُ
أَنْ لَا يُسْلِمَكَ عِنْدَ النَّكَبَات .
مستمعينا الأفاضـــل !
ممّا لاشك فيه أن عهد الشباب مفعم بالجمال و الإثارة والحيوية والأحاسيس واللذائذ المتنوّعة والفرح والأناقة و المناسبات الاجتماعية الحافلة بالذكريات و الأسفار الجميلة و الممتعة .
والأحاسيس تكون عادة لدي معظم الشباب أساس العزم علي إنجاز الأعمال المختلفة و الشيء الوحيد الذي يشغل أذهانهم هو التلذّذ و استغلال اللحظة قبل فواتها ، من دون أن يفكّروا في الغد ومستقبل حياتهم ولذلك ، فإن الجري وراء الترف والرخاء و الميل إلي تغيير الأجواء وكسر الروتين و تحدي العادات والتقاليد و عدم الالتفات إلي تعليمات الأسرة والمجتمع ، كلّ ذلك يمثّل أمراً محبّباً للشباب بعيداً عن ما يجب وعن ما لا يجب . فالشباب لا يرحّبون عادة بالواجبات أو " المسؤوليات " في حياتهم ويتهرّبون من كل سلوك أو قول أو رؤية تقيّد من حركتهم .
وتطرح المسؤوليّة في ثلاثة أبعاد هي المسؤولية الفردية والاجتماعية والمسؤولية الإلهية حيث تكتسب المعني في قبال النفس والخلق والخالق. والمسؤولية الفردية هي أن يعرف الإنسان حدود قدرته و أن يبادر علي قدر إمكانه إلي تنمية كل منها . وبعبارة أخري ، أن يؤدّي حق نفسه . وحينما يجتاز خطُ مسيرة الحياة مثلَ هذه المراحل ، فإن النجاحات ستكون من نصيبه ، و يتكوّن فصل مزدهر وثمين من هويّته .
وعندما يشجّع الوالدان بنظرات مفعمة باللطف والمحبة ولدَهما البالغ من العمر ثلاث سنوات ، علي جمع ألعابه ثم يضعها الطفل في أماكنها بيديه الصغيرتين ، فإنه يتعلّم بذلك الدرس الأول من " قبول المسؤوليّة " في الأسرة بكل جماله ويتكوّن لديه أول شعور بلذّة الاكتفاء الذاتي. وبعد ذلك بسنوات ، سيعلم نفس طفل الأمس جيّداً أن قبول المسؤوليّة يعني أن يؤدّي كلّ شخص العمل الذي أوكل إليه كما ينبغي . و يتمّ تعزيز الإحساس بالكفاءة حينما يشعر كلّ واحد منّا بأنه قد جسّد كفاءته الذاتيّة و بلغ قمّة الفخر بالثقة بالنفس من خلال قبول الالتزام والمسؤوليّة .
مستمعينا الأكارم !
حتّي نجدّد اللقاء بكم في حلقتنا المقبلة من برنامج نبض الحياة ، تقبّلوا منّا فائق الحبّ والشكر علي كرم متابعتكم لنا ، وفي أمان الله .