أحبّتنا المستمعين الأفاضـــل !
ها نحن ذا نلتقيكم من جديد عبر حلقة أخري من برنامجكم " نبض الحياة " الذي يهتم بعرض قضايا الشباب علي ضوء تعاليم الإسلام وتوجيهاته ، حيث سنخصص حلقتنا لهذا الأسبوع لاستعراض خصوصيّة البحث والتطلّع نحو الحقيقة لدي الشباب مستعينين في ذلك بما ورد من روايات الأئمة عليهم السلام وأقوال سماحة قائد الثورة الإسلاميّة حفظه الله ورعاه ، ندعوكم للمتابعـــة ...
مستمعينا الأفاضــل !
يسعي العقلاء والحكماء من الناس للبحث عن الحقيقة فيما يتعلّق بقضايا الحياة وأمور الطبيعة . فهم ليسوا سطحيّي النظرة ، بل يحاولون استكشاف أسرار الطبيعة وخفايا الحياة . وفي المقابل ، هناك البعض ممّن ينظرون إلي ظواهر الأمور وينظّمون علمهم وعملهم علي أساسها . فهم لا يتعمّقون في الزوايا الخفيّة ، في حين أن مسار حياتهم قد يتغيّر لو أنهم أبدوا شيئاً من التحليل والتعمّق . فمن الحَسَن أن ننظر إلي أطرافنا بمنظار أكثر انفتاحاً وأن نعزّز روح البحث عن الحقيقة في أنفسنا . والمراد من البحث هنا ، التمتع بروح التساؤل والسعي من أجل المعرفة . يقول الإمام علي عليه السلام :
" من تفهَّمَ ، فَهِمَ .
إن روح البحث عن الحقيقة وخاصة في عهد الشباب ، من شأنها أن تفتح أمام الشاب نافذة التفكّر في كل كائنات العالم ليجد الجواب المعقول والمنطقي لكل ما يجهله . ولذلك ، فإنه يحبّ أن يعرف نفسه ، ويكتشف سرّ الخلق ، ويدرك الهدف من بعثة الأنبياء والآلاف من التساؤلات الأخري التي سيجد لها الحل من خلال ذلك التفكّر . وقد يختار أحياناً في هذا المسار الطريقَ الصحيح والمناسب وقد يضل السبيل في أحيان أخري . يقول الإمام الصادق عليه السلام :
" إنّما يهلك الناس لأنهم لا يسألون .
وجاء في رواية أخري عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام :
" هَذَا الْعِلْمَ عَلَيْهِ قُفْلٌ وَ مِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
إن روح التساؤل هي الخصوصية البارزة لدي الشاب . وحتي إن اجتاز مرحلة البلوغ ، فإن سيظلّ يحمل معه تساؤلات هذه المرحلة ، و تركُها من دون أجوبة ، سوف يصيب الشاب بحالة الشعور بالعبثية و غربة الذات .
ويوصي سماحة قائد الثورة الإسلامية في معرض إشارته إلي هذه الخصوصية لدي الشاب ، بأن نولي الأهمية لفضول الشباب وتساؤلاتهم قائلاً :
" في الكثير من الحالات لا تقدّم للشاب الأجوبة المناسبة و الناجعة . ولذلك يشعر الشاب بالفراغ والغموض .
ويري علم النفس أن أهم مزايا التمتع بالذهن المتطلّع تكمن في أنه يحسّن من سلامة الجسم وصحّته . ويُظهر التعمّق في الدراسات المختلفة التي أنجزت في هذا المجال أن البحث الأكثر عن الحقيقة ، يسهم في تحسين الحالة الجسدية والنفسية للإنسان . كما ، أن روح البحث تساعدنا علي أن أن نحل المشاكل بشكل أسهل وأكثر ذكاء . يقول الدكتور بين دين ( Ben Dean) الخبير في دراسات علم النفس في أمريكا في مقالة حملت العنوان البحث عن الحقيقة من أجل البحث عن الحقيقة :
إن الأدمغة الباحثة عن الحقيقة هي أدمغة أكثر نشاطاً وهي تزداد ذكاء بالتالي . والأشخاص الذين يحافظون علي روح البحث عن الحقيقة ، يتعلّمون المزيد من الأشياء في الحياة ، والكبار الذين يتمتعون بذهن باحث عن الحقيقة يتمتعون بمهارات أفضل لحل المشاكل كما يمتلكون قدرة أكبر علي التحليل .
ومن جهة أخري فإنّ البحث عن الحقيقة يساعدنا علي أن نكتشف شخصيّاتنا . وحينما يعمد الإنسان إلي البحث في الموضوعات المختلفة في حياته ودراستها ويواصل هذه الخصوصيّة فإن بإمكانه أن يعرف بشكل أفضل أفكارَه وآراءه ومعتقداته وأن يغيّروها إن هم شعروا بعدم الرضا عنها .
أعزّتنا المستمعين !
ويمكننا الإشارة في هذا المجال إلي قصة الشاب الهندي راؤول (Raúl ) . حيث كان هذا الشاب وأسرته يتبعون الديانة الهندوسية ولم يكونوا يعرفون شيئاً عن الدين الإسلامي ، ولكن الإرادة الإلهيّة شاءت أن يسافر إلي أحد البلدان الإسلاميّة للعمل حيث اتخذ هناك قراراً كبيراً بعد أن تعرّف علي الدين الإسلامي ليغيّر بذلك مصيرَه . حيث يقول في هذا المجال :
لقد أسلمتُ منذ بضعة أشهر . ونشأت في أسرة كانت تتبع الديانة الهندوسية كالهندوسيين الآخرين ، وكان البعض منهم يعبدون الأصنام وكان البعض الآخر يسجد للحيوانات فيما كان آخرون يعتبرون الشمس ربَّهم ، وهو ما كان قد أدّي إلي أن أعيش حالة الكفر والضلال وانعدام الهدف في الحياة حتّي شاءت الإرادة الإلهية أن أسافر إلي عُمان للعمل ورأيت المسلمين فيها لأول مرّة وتعرّفت عليهم وحصلت في هذا البلد علي الكثير من المعلومات عن الأديان الإلهيّة خلال ثلاث سنوات عشتها في ذلك البلد حيث كان لهذه السنوات الثلاث دور مؤثّر للغاية في بلوغي الحقائق وتغيير أفكاري وعقيدتي .
ولكن القصة الحقيقية حدثت عندما أقام راؤول بعد سفره إلي عمان علاقاتٍ متينة مع زملائه حيث لا حظ أنهم يصومون في شهر بعينه . وإذا بالروح الباحثة عن الحقيقة في داخله تدفعه إلي البحث والتفحّص ، وإذا به يسأل الآخرين عن سبب صيامهم وماذا يعني الصيام ؟ وهنا قرّر أن يصوم هو نفسُه ، فصام في البدء قبل أن يسلم وأخذ يقرأ القرآن . حيث يقول في هذا المجال :
حينما كنت أصوم قبل إسلامي كان ذلك لمجرّد الفضول فكنت أقتصر علي الامتناع عن تناول الطعام ولكنني الآن أصوم عن الوعي والشعور بالعبودية والخشوع أمام الله يدبّ في روحي ، فشهر رمضان ليس الآن بالنسبة لي مجرّد الإمساك عن الطعام ، بل هو صفاء وإيمان وإحساس برضا الله . وأنا أدعو في هذا الشهر ، وأصلّي واتصدّق لمساعدة الآخرين ، و أقوم الليل وأتلو القرآن .
وقد جاء في تعاليمنا الدينية أن الله تعالي يخاطب العبد الذي لم يكن يعمل بأوامره و يلومه في يوم القيامة علي عدم العمل بعلمه . وبناء علي ذلك ، فإن الطريق الوحيد لبلوغ العمل هو المعرفة و السؤال مفتاح المعرفة . ويحبّ بعض الشباب الاطلاع علي المسائل الدينية وغيرها ، ولكن الحياء يمنعهم علماً أن الحياء مطلوب في موضعه ولكن لا علي حساب جهل الإنسان . فمثل هذا الحياء قبيح و مضرّ . وباالتالي فإن علي الشباب أن يسألوا كلّما احتاجوا إلي المعرفة والعلم كي يعلموا ويعملوا بعلمهم و يبلغوا السعادة .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !انتظرونا في الحلقة المقبلة من برنامج نبض الحياة لنكمل حديثنا حول الشباب وانعكاس قضايهم في روايات الأئمة ، شكراً علي كرم المتابعة ، وإلي الملتقي .