بسم الله والحمد لله الذي تفضل علينا بتوفيق التمسك بعروته الوثقى وحبله المتين، ثقلي النجاة من كل ضلالة وبلوغ كل سعادة، قرآنه الكتاب المبين وأهل بيت حبيبه سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين.
- السلام عليكم مستمعينا الأطائب، طابت أوقاتكم بكل خير ورحمة.
- تحية من الله مباركة نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج، فأهلاً بكم ومرحباً.
- أيها الأفاضل، أعلى مراتب الفلاح والهداية والسعادة هي التي يفوز بها "المتقون".
- هذا ما بشرنا به ربنا أكرم الأكرمين في الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة، وهدانا إلى صفات هؤلاء المتقين الذين هم على هدى من ربهم وهم المفلحون.
- وقد عرفنا من نصوص الثقلين معنى المتقين ومصاديق تقواهم العملية، كما عرفنا من صفاتهم التي ذكرتها هذه الآيات الكريمة: إيمانهم بالغيب وهو الذي يحررهم من أسر ظواهر الحياة الدنيا؛ فيسيرون في حركة متواصلة في معارج الرقي، الكمال العالية.
- ثم إقامة الصلاة وهي التي تجعلهم في ارتباط مستمر بالحي القيوم فيعينهم في سيرهم على الصراط المستقيم الموصل لكل سعادة.
- والصفة الثالثة هي الإنفاق الشمولي مما رزقهم الله، وهذا الإنفاق يفتح آفاق التخلق بأهم أخلاق الله عزوجل، فيجعلهم مباركين ببركته، تتضاعف البركات عليهم باستمرار وهم يفيضون ببركات ورحمات الله على الخلق.
- مستمعينا الأفاضل، أما الرابعة من صفات المتقين فهي "الإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله" وما أنزل على سائر الأنبياء والمرسلين عليهم أجمعين سلام الله، فما معنى هذه الصفة؟
- وما هي آثارها في فلاح المتقين وبلوغهم أعلى مراتب الحياة الطيبة.
- هذا ما نتناوله أعزاءنا في هذا اللقاء، نمهد له بالتبرك بالإصغاء خاشعين متدبرين في تلكم الآيات الخمس الأولى حيث يقول الله عزوجل من قائل:
"الم{۱} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{۲} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{۳} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{٤} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{٥}
- صدق الله العلي العظيم، لاحظنا أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت الإيمان بالغيب كأولى صفات المتقين، ثم ذكرت نمطاً آخر من الإيمان كصفة رابعة لهم، فما الفرق بين هاتين الصفتين؟
- في الإجابة عن هذا السؤال، نقول: أن الإيمان بما أنزل على الأنبياء عليهم السلام يمثل الترجمة العملية السلوكية للإيمان بالغيب.
- وأصل الإيمان هو اللغة من "الأمن" أي أن يكون المؤمن آمناً في اعتقاده من اضطرابات الشك والشبهة، فيكون الإعتقاد مستقراً في قلبه.
- والإيمان بالغيب إذا استقر بالقلب ظهر ذلك بالإيمان بكل ما يأتي من جهة الغيب فيؤمن بما أنزل بالوحي على الأنبياء عليهم السلام.
- والإيمان بالمنزل من عالم الغيب على الأنبياء عليهم يظهر صدقه في الإلتزام العملي بما يشتمل عليه أو يأمر به الوحي المنزل على السماء.
- وهذا يعني أن الصفة الرابعة من صفات المتقين تبين صدق إلتزامهم بالأصل الثاني من أصول الدين الحق وهو أصل النبوة.
- ويتفرع منه الإيمان بالإمامة باعتبارها إمتداد للنبوة وقناة إيصال التعاليم النبوية للخلق وتربيتهم عليها.
- أيها الإخوة والأخوات، على ضوء ما تقدم يتضح أن الصفة الرابعة من صفات المتقين هي صدق إتباعهم للنبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – في جميع ما أنزل إليه من ربه والتسليم له دون أن يجد المتبع حرجاً في صدره مما قضى به – صلى الله عليه وآله – كما في المنطوق القرآني.
- وفي المقابل، فإن عدم إتباع النبي – صلى الله عليه وآله – يعني في الواقع أن الإيمان بما أنزل إليه عزوجل لم يستقر في القلب، ولذلك فإن معالجة حالة ضعف روح الإتباع للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله، تكون في تقوية روح الإيمان بما أنزل إليه من ربه وكمال صدقه في إبلاغه للناس.
- أما عن أثر الإيمان بما أنزل للنبي وإتباعه صلى الله عليه وآله في الإيصال للحياة الطيبة، فهذه ما تهدينا إليه الآية ۳۱ من سورة آل عمران حيث يقول الله عزوجل:
" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
- صدق الله العلي العظيم، إذن فالفوز بحب الله عزوجل هو الأثر الأول لإتباع النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – والمراد من حب الله لعباده هو أثره العملي المتمثل في إحاطته عزوجل لعباده بالمزيد والمزيد من عناياته وألطافه الخاصة وإعانته الكاملة للوصول إلى كل خير.
- أما الأثر الثاني لإتباع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فهو الفوز بالمغفرة الإلهية، والمراد بها هنا إزالة الله عزوجل لكل الأمور التي تنغص على المؤمن الحياة الطيبة، أو تعكر صفو إرتباطه عزوجل، أو تصده عن الحصول على أعلى مراتب الرحمة الإلهية، وهذا سر أن هذه الآية قد ختمت باقتران إسم الغفور باسم الرحيم.
- مستمعينا الأفاضل، يبقى الحديث عن الصفة الخامسة والأخيرة التي تذكرها الآيات الأولى من سورة البقرة، من صفات المتقين، وهو الإيقان – وليس الإيمان – بالآخرة.
- فما هي هذه الصفة وما أثرها في تحقيق الحياة الطيبة للمؤمن، ولماذا وصف القرآن المتقين بأنهم يوقنون بالآخرة ولم يقل يؤمنون.
- أسئلة مهمة وعظيمة البركة لطالبي التحلي بصفات المتقين وحياتهم الطيبة.. ندعوكم أعزاءنا للتفكر بها إلى حين لقائنا المقبل حيث نستهدي بالنصوص الشريفة للحصول على إجاباتها.
- نشكركم أيها الأكارم على كرم المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم من هدى الثقلين إستمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
- دمتم في أمان الله.