بسم الله والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على صفوته المنتجبين الهادي محمد المختار وآله الهداة الأبرار.
- السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته..
- نحييكم إخوة الإيمان بأطيب التحيات وأهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج.
- "ومما رزقناهم ينفقون" هذا الكلام الإلهي يبين لنا مستمعينا الأفاضل ثالثة صفات المتقين الذين يحوطهم الله بهداه ويبلغهم به الفلاح، كما بشرتنا بذلك الآيات التي إفتتح بها جل جلاله سورة البقرة.
- وقد إستهدينا في لقاءات سابقة بهدى الثقلين لمعرفة الصفتين الأولى والثانية من صفات المتقين وكيفية التحلي بهما وهما: الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة.
- ونستهدي في هذا اللقاء بمناري الهدى الإلهي لمعرفة معنى ومصاديق الصفة الثالثة أي الإنفاق مما رزقهم الله، فنبدأ بالأنصات وبخشوع وتدبر إلى مطلع سورة البقرة حيث يقول عز من قائل:
"الم{۱} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{۲} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{۳} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{٤} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{٥}
- صدق الله العلي العظيم؛ وواضح من هذا النص المبارك، أهمية الإنفاق من رزق الله وقد قرنه الله تبارك وتعالى بالصلاة التي هي عامود الدين، وهذه سنته عزوجل في معظم الآيات التي ذكر الصلاة حيث يقرنها بالزكاة؛ فما هو معنى ومصداق هذه الصفة من صفات المتقين؟
- نرجع إلى التفاسير الروائية التي جمعت أحاديث أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآيات الكريمة، فنقرأ أولاً عن الإمام الصادق – عليه السلام – أنه قال في قوله تعالى "ومما رزقناهم ينفقون" معناه: ومما علمناهم يبثون.
- أي ينشرون العلوم الإلهية بين العباد لأن العلم الصالح هو قاعدة العمل الصالح وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديث المشهور: زكاة العلم إنفاقه.
- ويبين لنا مولانا الإمام الحسن الزكي العسكري مصاديق أخرى لهذه الصفة من صفات المتقين، فقد روي عنه صلوات الله عليه في تفسير البرهان وتفسير نور الثقلين والتفسير الآصفي وغيرها أنه قال:
- ينفقون مما رزقناهم من الأموال والأبدان والقوى والجاه والعلم، يحتملون الكل ويؤدون الحقوق لأهاليها، ويقرضون ويسعفون أصحاب الحاجات، ويأخذون بأيدي الضعفاء وينجونهم من المهالك ويحملون المتاع عنهم، ويحملون الراجلين على دوابهم، ويؤثرون من هو أفضل منهم في الإيمان على أنفسهم بالمال والنفس، ويساوون من كان في درجتهم فيه بهما – أي بالمال والنفس، ويعلمون العلم من كان من أهله، ويروون فضائل أهل البيت لمحبيهم ولمن يرجون هدايته.
- ويبين مولانا الإمام الحسن العسكري في نص ثان مصاديق أخرى لإنفاقات المتقين مما رزقهم الله فيقول صلوات الله عليه: (يؤدون من الأموال الزكوات ويجودون بالصدقات، ويؤدون الحقوق اللازمات كالنفقة في الجهاد إذا لزم وإذا أستحب، وسائر النفقات الواجبات على الأهلين وذوي الأرحام القريبات والآباء والأمهات، وكالنفقات المستحبات على من لم يكن فرضاً عليهم النفقة عليه من سائر القرابات وكالمعروف بالإسعاف والقرض والأخذ بأيدي الضعفاء والضعيفات).
- ثم قال – صلوات الله عليه -: ويؤدي من قوى الأبدان المعونات كالرجل يقود ضريراً وينجيه من مهلكة، ويعين مسافراً أو غير مسافر على حمل متاع على دابة قد سقط عنها، أو كدفع عن مظلوم قد قصده ظالم بالضرب أو بالأذى. ويؤدون الحقوق من الجاه، بأن يدفعوا به عن عرض من يظلم بالوقيعة فيه، أو يطلبوا حاجة بجاههم لمن قد عجز عنها بمقداره، فكل هذا إنفاق مما رزقه الله.
- إذن يتضح من هدايات أهل بيت النبي ومصابيح هداه - صلى الله عليه وآله - أن الإنفاق من رزق الله عزوجل الذي يشكل ثالثة صفات المتقين المفلحين، يشمل جميع مصاديق الرزق الإلهي للمتقين، فكل حول وقوة ومال وجاه وعلم وغيرها هي من مصاديق رزق الله فينفقون منها على عباده فيواسونهم ويغنونهم ويعينونهم.
- وبذلك يصبح المتقون من وسائل إيصال رحمات الله إلى خلقه عزوجل فيذيقونهم رحمة الله بجميع أشكالها؛ فيربي الله ويزيد في أرزاقهم ويقربهم منه ويضاعف ألطافه عليهم ويجعلهم باستمرار "على هدى من ربهم" أي يتحركون بأمره في جميع شؤونهم وفي ذلك كمال الفلاح.
- لنتأمل معاً في مصداق مؤثر لهذا النمط السامي من الإنفاق في سبيل الله في سيرة الأئمة الهداة وهم عدل القرآن الكريم، فإلى جانب بثهم في جميع الأحوال للمعارف القرآنية نجدهم عليهم السلام لا يألون جهداً في التطول بأشكال الإنفاق في سبيل الله تبارك وتعالى.
- فمثلاً روى الشيخ الصدوق في كتاب الخصال بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهرهوفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه، فلما توفي فقدوا ذلك فعلموا أنه كان علي بن الحسين.
- ولما وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين.. وكان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم وكان يناولهم بيده، ومن كان له منهم عيال حمله من طعامه إلى عياله، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ ويتصدق بمثله.
- وبهذا نصل إلى ختام حلقة أخرى من برنامج من هدى الثقلين إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
- تقبل الله منكم جميل الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.