بسم الله وله الحمد والثناء إذ رزقنا مودة وموالاة سيد الأنبياء وآله الأصفياء صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم كل صبح ومساء.
- السلام عليكم مستمعينا الأعزاء ورحمة الله.
- تحية مفعمة بالود والبركات نهديها لكم في مطلع هذا اللقاء من برنامجكم (من هدى الثقلين)
- أيها الأفاضل، ختم الله تبارك وتعالى الآيات الخمس الأولى من سورة البقرة أولى سور القرآن المبين بعد فاتحة الكتاب سورة الحمد، بالتصريح بأن المذكورين في هذه الآيات هم المفلحون، لأنهم على هدى من ربهم.
- ثم ذكر بعدهم الخاسرين من الكافرين والمنافقين، فمن هم هؤلاء المفلحون؟ هذا هو السؤال الذي نستنير في لقاء اليوم بنصوص الثقلين المباركة للحصول على إجابته، فتابعونا مشكورين.
- نبدأ أيها الأطائب بالآيات الخمس الأولى من سورة البقرة فنصغي متأملين متدبرين لقوله عز من قائل:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الم{۱} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{۲} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{۳} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{٤} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{٥}
- نفهم أيها الأكارم من هذه الآيات أن المفلحين هم "المتقون" الذين تصرح الآية الثانية بأن القرآن نزل هدى لهم.
- والقرآن هو كتاب هداية للجميع، ولكن المتقين هم الذين ينتفعون من هدى القرآن بالصورة المطلوبة التي تجعلهم يفوزون بالفلاح بالصورة المطلوبة أيضاً.
- ولذلك خصهم الله عزوجل من بين عموم المؤمنين الذين ينتفعون بالقرآن بدرجة أو بأخرى، فشهد لهم بأنهم المفلحون الذين على هدى من ربهم.
- فمن هم هؤلاء "المتقون"؟ عن هذا السؤال يجيبنا مولانا الإمام الحسن العسكري عليه السلام وذلك في حديث نقله العلامة البحراني في كتاب البرهان في تفسير القرآن، وكذلك الفيض الكاشاني في كتابه تفسير الأصفى والعلامة الحويزي في تفسير نورالثقلين وغيرهم.
- قال الإمام الزكي الحسن العسكري – عليه السلام – في قوله عزوجل "هدى للمتقين" هم الذين يتقون تسليط السفه على أنفسهم، حتى إذا علموا ما يجب عليهم عمله، عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم، فإنهم يهتدون به [أي بكتاب الله الذي لا ريب فيه] وينتفعون بما فيه.
- وقال – صلوات الله عليه - : هم من شيعة محمد وعلي عليهما وآلهما الصلاة والسلام لأنهم اتقوا أنواع الكفر فتركوها، واتقوا أنواع الذنوب فرفضوها، واتقوا إظهار أسرار الله تعالى، وأسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد صلى الله عليه وآله فكتموها، واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها وفيهم نشروها.
- أيها الإخوة والأخوات، يتضح من الهدايات النيرة التي تضمنها حديث مولانا الإمام الزكي الحسن العسكري هو أنه عليه السلام بين معنى التقوى والمتقين من خلال بيان مصاديق عملية تبين حقيقة التقوى.
- وفي بيان المصاديق – كما لا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل – إعانة مهمة لمن يريد التحلي بصفات المتقين ليفوز بمقام المفلحين الذين هم على هدى من ربهم.
- والمصاديق التي هدانا إليها مولانا الإمام الحسن العسكري في حديثه المبارك، هم أهم الأعمال التي تتحقق بها حقيقة التقوى.
- فالأول منها هو الأقرب لمفهوم التقوى وهو "إتقاء الموبقات" أي الورع عن كل سيئة وعمل قبيح لا يتلائم مع كرامة الإنسان فنهى عنه الله عزوجل.
- والثاني من تلك المصاديق إتقاء تسليط السفه على أنفسهم، أي إتباع الشهوات والأهواء وبالتالي السقوط في مهاوي عبودية النفس والهوى وهما أخطر الآلهة التي تدمر الحياة الطيبة التي أرادها الله لعباده.
- فالمتقون يعملون بما علموه بالعقل السليم مما يجب عليهم عمله من أوامر الله عزوجل، ويقومون بذلك إبتغاء مرضاة الله عزوجل أي بنية خالصة توجب لهم رضاه عزوجل وبذلك ينتفعون بهداه تبارك وتعالى.
- أعزاءنا ونبقى مع هداية مولانا الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه وهو يبين مصاديق أخرى لحقيقة التقوى في عمل وسلوك المتقين، فيذكر أنهم الذين (إتقوا أنواع الكفر).
- أي أنهم تورعوا عن جميع أشكال الكفر العملي كإنكار بعض الآيات الإلهية أو مقامات النبي الأكرم وعترته المعصومين عليه وعليهم الصلاة والسلام.
- ومنها التورع عن إظهار أسرار الله والأوصياء لغير أهلها، والتورع في المقابل التورع عن كتمان هذه المعارف وغيرها لطالبيها الصادقين.
- وهذه المصاديق – أيها الأكارم – قد تضمنتها الآيات الكريمة اللاحقة، فقد قال عزوجل في أولى صفات المتقين أنهم "الذين يؤمنون بالغيب" وفي هذا القول إشارة الى ما ذكره الإمام الحسن العسكري عليه السلام من كونهم إتقوا أنواع الكفر فإن منها إنكار حقائق الغيب الذي لا يشهدونه.
- والأمر نفسه يصدق على صفات المتقين التي تذكرها الآيات الأخرى، وهذا ما سنتناوله بإذن الله في حلقات مقبلة من برنامجكم (من هدى الثقلين) الذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
- نشكركم مستمعينا الأطائب على طيب المتابعة.. دمتم في رعاية الله آمنين سالمين غانمين والحمد لله رب العالمين.
- في أمان الله.