بسم الله والحمد لله الذي هدانا للتمسك بعروته الوثقى وحبله المتين قرآنه النور المبين وأهل بيت نبي رحمته الحبيب الهادي المختار صلوات الله عليه وآله الأطهار.
- سلام من الله عليكم أيها الأطائب ورحمة الله.
- طابت أوقاتكم بكل خير وبركة وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج.
- إقتران الإيمان بالعمل الصالح هو السبيل العملي للفوز بالعطاء الإلهي الذي لا ينفد والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
- هذه من الحقائق المعرفية الكبرى التي تهدينا إليها نصوص الثقلين المباركة.
- قال الله عزوجل في الآيتين ۹٦و۹۷ من سورة النحل [بصوت القارئ] " مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{۹٦} مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{۹۷}
- ويبين لنا مولانا الإمام جعفر الصادق عليه السلام حقيقة لزوم إقتران الإيمان بالعمل الصالح للفوز بالحياة الطيبة وهو يرد على أبي الخطاب وهو زعيم إحدى الفرق الضالة إفترى على الإمام الصادق عليه السلام.
- فقد روى الشيخ الصدوق في كتاب معاني الأخبار أن أحد أصحاب الإمام الصادق – عليه السلام – قال له:
- يا ابن رسول الله، إن أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت: إذا عرفت الحق فاعمل بما شئت.
- فغضب الإمام عليه السلام وقال: لعن الله أبا الخطاب، والله ما قلت هكذا ولكني قلت له: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل الله منك، إن الله عزوجل يقول " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
- ولكن ما هي هذه الحياة الطيبة التي يبشر بها الله عباده المؤمنين؟ يقول المفسر العارف العلامة الطباطبائي في تفسير القيم (الميزان) في الآية . وعد جميل للمؤمنين ان عملوا عملا صالحا وبشرى للإناث ان الله لا يفرق بينهن وبين الذكور في قبول ايمانهن ولا اثر عملهن الصالح الذي هو الاحياء بحياة طيبة والاجر بأحسن العمل على الرغم مما بنى عليه أكثر الوثنية وأهل الكتاب من اليهود والنصارى من حرمان المرأة من كل مزية دينية أو جلها وحط مرتبتها من مرتبة الرجل ووضعها وضعا لا يقبل الرفع البتة .
- فقوله عزوجل من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن حكم كلى من قبيل ضرب القاعدة لمن عمل صالحا أي من كان وقد قيده بكونه مؤمنا وهو في معنى الاشتراط فان العمل ممن ليس مؤمنا حابط لا يترتب عليه اثر كما قال تعالى : " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله المائدة : ٥ وقال : " وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون هود : ۱٦
- وتابع العلامة الطباطبائي حديثه مشيراً الى أن الحياة الطيبة هي مرتبة أعلى من مرتبة الحياة المألوفة فهي حياة مفعمة باللطف والتأييد الإلهي.
- قال – رضوان الله عليه -: الاحياء القاء الحياة في الشئ وافاضتها عليه فالجملة بلفظها دالة على أن الله سبحانه يكرم المؤمن الذي يعمل صالحا بحياة جديدة غير ما يشاركه سائر الناس من الحياة العامة وليس المراد به تغيير صفة الحياة فيه وتبديل الخبيثة من الطيبة مع بقاء أصل الحياة على ما كانت عليه ولو كان كذلك
- لقيل فلنطيبن حياته . فالآية نظيرة قوله : " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس الانعام : ۱۲۲ وتفيد ما يفيده من تكوين حياة ابتدائية جديدة .
- وأضاف – رضوان الله عليه – فهذه الحياة الطيبة ليست من التسمية المجازية لان الآيات المتعرضة لهذا الشأن ترتب عليه آثار الحياة الحقيقية كقوله تعالى : " أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه المجادلة : ۲۲ وكقوله في آية الانعام المنقولة آنفا : " وجعلنا له نورا يمشى به في الناس فان المراد بهذا النور العلم الذي يهتدى به الانسان إلى الحق في الاعتقاد والعمل قطعا . وكما أن له من العلم والادراك ما ليس لغيره كذلك له من موهبة القدرة على احياء الحق وإماطة الباطل ما ليس لغيره وقد قال سبحانه : " وكان حقا علينا نصر المؤمنين الروم : ٤۷ وقال : " من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون المائدة : ٦۹ .
- إذن فعمادا الحياة الطيبة التي يفوز بها المؤمن المقبل على عمل الخير هما العلم والقدرة اللذان يتفضل بهما الله عزوجل عليه، فما أثرهما في حياته؟
- يجيب العلامة الطباطبائي في ختام حديثه قائلاً:
وهذا العلم والقدرة الحديثان يمهدان له ان يرى الأشياء على ما هي عليها فيقسمها قسمين حق باق وباطل فان فيعرض بقلبه عن الباطل الفاني الذي هو الحياة الدنيا بزخارفها الغارة الفتانة ويعتز بعزة الله فلا يستذله الشيطان بوساوسه ولا النفس بأهوائها وهوساتها ولا الدنيا بزهرتها لما يشاهد من بطلان أمتعتها وفناء نعمتها .
- ويضيف رحمه الله قائلاً: ويتعلق قلبه بربه الحق الذي هو يحق كل حق بكلماته فلا يريد الا وجهه ولايحب الا قربه ولا يخاف الا سخطه وبعده يرى لنفسه حياة طاهرة دائمة مخلدة لا يدبر أمرها الا ربه الغفور الودود ولا يواجهها في طول مسيرها الا الحسن الجميل فقد أحسن كل شئ خلقه ولا قبيح الا ما قبحه الله من معصيته .
- فهذا الانسان يجد في نفسه من البهاء والكمال والقوة والعزة واللذة والسرور ما لا يقدر بقدر وكيف لا ؟ وهو مستغرق في حياة دائمة لا زوال لها ونعمة باقية لا نفاد لها ولا ألم فيها ولا كدورة تكدرها وخير وسعادة لا شقاء معها.
- وبهذا نصل مستمعينا الأطائب الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (من هدى الثقلين) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
- شكراً لكم على طيب المتابة ودمتم في أمان الله.