بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على معادن حكمة الله وكنوز رحمته الهادي المختار وآله الأطهار. السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله، كثيرة هي أعزائنا الايات الكريمة التي ورد فيها ذم الظالمين ولعنهم، وفي ذلك إشارة الى أحد الأخلاق الإلهية البارزة، وهو خلق مكافحة الظلم والظالمين وترك إعانتهم بجميع مصاديق الاعانة، مع السعي في المقابل لإدخال السرور الى قلوب المؤمنين. في هذا اللقاء من البرنامج نعرض لكم نماذج من تجليات هذا الخلق في سيرة مولانا الإمام الكاظم عليه السلام، لكي نستنير بها في التخلق بهذا الخلق من أخلاق الله عزوجل، كونوا معنا.
نبدأ ايها الاخوة والأخوات بما رواه ثقة الإسلام الكليني في كتاب الكافي بسنده عن زياد بن أبي سلمة قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فقال لي: "يا زياد إنك لتعمل عمل السلطان" (يعني الحكومة الجائرة)؟ قال: قلت: أجل، قال لي: "ولم؟" قلت: أنا رجل لي مروة، وعلي عيال، وليس وراء ظهري شئ فقال لي: "يا زياد لئن أسقط من حالق فانقطع قطعة قطعة، أحب إلي من ان أتولى لاحد منهم (يعني الظالمين) عملا أو أطأ بساط رجل منهم، إلا، لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك قال: "إلا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك أسره، أو قضاء دينه، يا زياد إن أهون ما يصنع الله بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق. يا زياد فان وليت شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك، فواحدة بواحدة والله من وراء ذلك، يا زياد أيما رجل منكم تولى لاحد منهم عملا ثم ساوى بينكم وبينهم فقولوا له: أنت منتحل كذاب، يا زياد إذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة الله عليك غدا".
مستمعينا الأفاضل، وواضح من الأحاديث الشريفة أن المورد الوحيد الذي يجيز العمل في أجهزة الحكومة الظالمة هو السعي لدفع الظلم وللإحسان الى المظلومين، لاحظوا إخوتنا الأعزاء ما روي في كتاب قضاء حقوق المؤمنين لأبي علي بن طاهر الصوري بإسناده عن رجل من أهل الري قال: ولي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد، وكان علي بقايا يطالبني بها، وخفت من إلزامي إياها خروجا عن نعمتي، وقيل لي: إنه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا أحب، فاجتمع رأي على أني هربت إلى الله تعالى وحججت ولقيت مولاي الصابر يعني موسى بن جعفر عليه السلام فشكوت حالي إليه فأصحبني مكتوبا نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أن الله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفا أو نفس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سرورا، وهذا أخوك والسلام". قال: فعدت من الحج إلى بلدي، ومضيت إلى الرجل ليلا، واستأذنت عليه وقلت: رسول الصابر عليه السلام فخرج إلي حافيا ماشيا، ففتح لي بابه، وقبلني وضمني إليه، وجعل يقبل بين عيني، ويكرر ذلك كلما سألني عن رؤيته عليه السلام وكلما أخبرته بسلامته، وصلاح احواله، استبشر وشكر الله، ثم أدخلني داره وصدرني في مجلسه وجلس بين يدي، فأخرجت إليه كتابه عليه السلام فقبله قائما وقرأه ثم استدعى بماله وثيابه، فقاسمني دينارا دينارا، ودرهما درهما، وثوبا ثوبا، وأعطاني قيمة مالم يمكن قسمته، وفي كل شئ من ذلك، يقول: يا أخي هل سررتك؟ فأقول: إي والله، وزدت علي السرور، ثم استدعى العمل فأسقط ما كان بأسمي وأعطاني براءة مما يتوجه علي منه، وودعته، وانصرفت عنه، فقلت: لا أقدر على مكافأة هذا الرجل إلا بأن أحج في قابل وأدعو له وألقى الصابر عليه السلام واعرفه فعله، ففعلت ولقيت مولاي الصابر عليه السلام وجعلت أحدثه ووجهه يتهلل فرحا، فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك؟ فقال: "إي والله لقد سرني وسر أمير المؤمنين، والله لقد سر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، ولقد سر الله تعالى".
مستمعينا الأفاضل، وأخيرا لاحظوا الحادثة التالية المروية أيضا في كتاب حقوق المؤمنين: لأبي علي بن طاهر قال: استأذن علي ابن يقطين مولاي الكاظم عليه السلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال: "لا تفعل فأن لنا بك انسا، ولإخوانك بك عزا، وعسى أن يجبر الله بك كسرا، ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه، يا علي كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم اضمن لي واحدة واضمن لك ثلاثا، اضمن لي أن لا تلقى أحدا من أوليائنا إلا قضيت حاجته وأكرمته، وأضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبدا ولا ينالك حد سيف أبدا، ولا يدخل الفقر بيتك أبدا، يا علي من سر مؤمنا فبالله بدأ وبالنبي صلى الله عليه وآله ثنى وبنا ثلث".
مستمعينا الأفاضل، وهنا نحن نصل الى ختام حلقة أخرى من برنامج (من أخلاق الله)، قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في إيران، شكرا لكم ودمتم بكل خير.