بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على مجاري رأفة الله ورحمته الكبرى للعالمين محمد وآله الطيبين. السلام عليكم مستمعينا الأكارم، لرأفة الله ورفقه عزوجل بالعباد مصاديق ومظاهر كثيرة يجمعها قاسم مشترك، هو تحقيق صالحهم وإبعاد الأذى عنهم. في هذا اللقاء نلتقي بروايات عدة من سيرة أمير المؤمنين وولديه الإمامين الكاظم والرضا عليهم السلام تعرفنا ببعض هذه المصاديق وتهدينا الى السبل العملية للتخلق بخلق الله في رأفته عزوجل في التعامل مع خلقه، تابعونا مشكورين.
من وصيه له عليه السلام لعبد الله بن عباس عند إستخلافه إياه على البصرة قال مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه: "سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك وإياك والغضب، فإنه طيرة من الشيطان". وقال عليه السلام أيضا: "أما بعد، فإن حقا على الوالي أن لا يغيره على رعيته فضل ناله، ولا طول خص به، وأن يزيده ما قسم الله له من نعمه دنوا من عباده وعطفا على إخوانه. ألا وإن لكم عندي أن لا أحتجز دونكم سرا إلا في حرب، ولا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم، ولا أؤخر لكم حقا عن محله، ولا أوقف به دون مقطعه، وان تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة، وأن لا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وآن تخوضوا الغمرات إلى الحق".
مستمعينا الأفاضل، ونرى هذه الرأفة الإلهية حاكمة في خلق الإمام علي عليه السلام في التعامل حتى مع غير المسلمين كالمشركين غير المحاربين من المعاهدين مثلا، لاحظوا أعزائنا ما يقوله كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله، قال عليه السلام: "أما بعد، فإن دهاقي اهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة، واحتقار وجفوة. ونظرت فلم أرهم أهل لأن يدنوا لشركهم، ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وامزج لهم بين التقريب والإدناء، والإبعاد والإقصاء، إن شاء الله".
مستمعينا الأعزاء، وقد تظهر هذه الرأفة الإلهية في صورة مغايرة للرأفة في الظاهر ولكن حقيقتها رأفة مضاعفة هدفها إبعاد الأذى عن الآخرين وإصلاحهم أو إصلاح ما يرتبط به، وهذا ما يظهر لنا من خلال التدبر في الروايتين التاليتين من سيرة الامامين الكاظم وولده الرضا عليهما السلام، ففي كتاب قرب الإسناد للحميري روى مسندا عن المفضل بن قيس، قال سمعت أبا الحسن الأول (يعني الإمام الكاظم) عليه السلام وهو يحلف أن لا يكلم محمد بن عبد الله الأرقط أبدا، فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر والصلة ويحلف أن لا يكلم ابن عمه أبدا، فقال عليه السلام: "هذا من بري به، هو لا يصبر أن يذكرني ويعينني فإذا علم الناس ألا أكلمه لم يقبلوا منه وأمسك عن ذكري فكان خيرا له".
وروى في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام بسنده عن عمير بن بريد قال: كنت عند أبي الحسن الرضا فذكر محمد بن جعفر فقال: إني جعلت على نفسي أن لا يظلني وإياه سقف بيت، فقلت في نفسي، هذا يأمرنا بالبر والصلة ويقول هذا لعمه فنظر إلي فقال: هذا من البر والصلة إنه متى يأتيني ويدخل علي ويقول فيّ فيصدقه الناس وإذا لم يدخل علي ولم أدخل عليه لم يقبل قوله إذا قال.
إنتهى أحبائنا الوقت المخصص لهذه الحلقة من برنامج (من أخلاق الله)، إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكرا لكم ودمتم بكل خير.