السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله، طابت أوقاتكم بكل ما تحبون وفوق ما تأملون، ها نحن نلتقيكم على بركة الله في حلقة أخرى من هذا البرنامج ووقفة مع خلق آخر من الأخلاق الإلهية ومصاديق التخلق بها. وخلق العطاء المستمر هو موضوع هذه الحلقة، وهو من واضحات أخلاق الله جلت آلاؤه وهو أكرم الأكرمين. والمستفاد من النصوص الشريفة عدم محدودية هذا الخلق في الله جل جلاله فكرمه وعطاؤه يشمل الجميع وبدون إنقطاع وبلا حدود، يشمل المؤمن والكافر ويشمل الشاكر والجاحد، وإن كان من خلقه عزوجل زيادة عطاءه للشاكر وهذا ما سنتناوله في حلقةٍ مستقلة بأذن الله. أما في هذه الحلقة فسنتناول مصاديق التخلق بخلق الكرم الإلهي في إطاره العام من خلال روايات منتخبة من سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرين، تابعونا مشكورين. نبدأ مستمعينا الأفاضل بروايةٍ معبرة نقلها العلامة السيد الجليل قطب الدين الراوندي رضوان الله عليه في كتاب الخرائج، قال: روي عن الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أقبل إلى الجعرانة وهي منطقة بين مكة والمدينة، فقسم فيها الأموال، وجعل الناس يسألونه فيعطيهم حتى ألجؤوه إلى الشجرة، فأخذت برده وخدشت ظهره حتى جلوه عنها وهم يسألونه أي يطلبون منه العطايا فقال: "أيها الناس ردوا علي بردي، والله لو كان عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته بينكم، ثم ما ألفيتموني جبانا ولا بخيلا"، ثم خرج من الجعرانة في ذي القعدة، قال الإمام الصادق عليه السلام: فما رأيت تلك الشجرة إلا خضراء كأنما يرش عليها الماء. أيها الاخوة والأخوات، ومن السيرة النبوية المطهرة نختار لكم نموذجاً أخر عن العطاء المحمدي الذي يعز نظيره في سيرة من عرفهم التاريخ الإنساني من الزعماء؛ فقد روى المحدث الجليل الشيخ أحمد البرقي في كتاب المحاسن مسنداً عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: مرت امرأة بدوية برسول الله صلى الله عليه وآله وهو يأكل وهو جالس على الحضيض، فقالت: يا محمد والله إنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: أي عبد أعبد مني؟ قالت: فناولني لقمة من طعامك، فناولها، فقالت: لا والله إلا التي في فمك، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله اللقمة من فمه فناولها، فأكلتها، قال أبوعبد الله الصادق عليه السلام: "فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا ". وتصرح الأحاديث الشريفة بأن عطاء المتخلقين بأخلاق الله لا يقطعه عدم شكرهم عليه وجحود الناس له؛ لاحظوا ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع مسنداً عن الامام علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله مكفرا لا يشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي، ومن كان أعظم معروفا من رسول الله صلى الله عليه وآله على هذا الخلق. وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم، وروى الشيخ الكليني في كتاب الكافي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: المؤمن مكفر وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينشر في الناس والكافر مشكور، وقال العلامة المجلسي في معنى الحديث: المؤمن مكفّر على بناء المفعول من التفعيل: أي لا يشكر الناس معروفه، بقرينة تتمة الخبر، وقد قال الفيروز آبادي: المكفر كمعظم: المجحود النعمة مع إحسانه. ونختم اللقاء أعزاءنا بنموذج آخر لجمال هذا العطاء رواه الشيخ البرقي عن هشام بن سالم، قال: كان علي بن الحسين عليه السلام يعجبه العنب، فكان ذات يوم صائما فلما أفطر كان أول ما جاءت العنب، أتته أم ولد له بعنقود، فوضعته بين يديه، فجاء سائل فدفع إليه فدست إليه (أعني إلى السائل) فاشترته ثم أتته، فوضعته بين يديه، فجاء سائل آخر فأعطاه، ففعلت أم الولد مثل ذلك حتى فعل ثلاث مرات، فلما كان في الرابعة أكله. نشكر لإخواتنا وإخوتنا مستمعي صوت الجمهورية الإسلامية في ايران حسن المرافقة والإستماع لهذه الحلقة من برنامج (من أخلاق الله)، تقبلوا منا خالص التحيات ودمتم بكل خير.