السلام عليكم أيها الأعزاء ورحمة الله، أهلا بكم في لقاء آخر من هذا البرنامج نسعى فيه للإقتداء بأهل بيت النبوة والرحمة صلوات الله عليهم أجمعين، والتأسي بهم في تخلقهم العظيم بأخلاق الله عزوجل وفيها تكمن سعادة الدنيا والآخرة وكرامتهما. والخلق الآلهي الذي نتناوله في هذا اللقاء هو العدل وإجتناب الظلم بجميع أشكاله تابعونا مشكورين.
أحبائنا، صرحت كثير من الآيات الكريمة وصحاح الأحاديث الشريفة على أن العدل هو من أبرز الأخلاق الآلهية. وعدل الله عزوجل مقرون بالتفضل والمن، كما تصرح بذلك الآيات الكريمة المتحدثة عن مجازات الله عزوجل للسيئة بمثلها ومضاعفة الحسنات بأضعاف مضاعفة، كما أن العدل الإلهي مقرون أيضا باجتناب الظلم بمختلف أشكاله وشتى مصاديقه. وهذا الخلق الكريم من أوضح ما يدل على عظمة الله عزوجل ونزاهته سبحانه وتعالى عن كل نقص، لأنه عزوجل ينصف عباده ولايظلمهم مع كونه جل جلاله القوي المطلق الذي لاتوجد قوة يمكن أن تحاسبه على ما يفعل إن أراد وحاشاه ظلما للعباد.
أعزائنا وقد تجلى هذا الخلق الإلهي الكريم في أوليائه المقربين محمد وآله الطاهرين في مصاديق كثيرة وفريدة لم يشهد لها التاريخ الإنساني نظيرا، ننقل لكم أيها الأعزاء هنا نموذجين: الأول، من سيرة صاحب الخلق العظيم المصطفى الأمين صلى الله عليه وآله. والثاني، من سيرة سليله الإمام الرابع من أوصيائه الطاهرين مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام، ونبدأ بالأول وقد رواه الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن ابن عباس، في حديث طويل عن وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وما قاله لأصحابه في مرضه، إلى أن قال: ثم قال (صلى الله عليه وآله): "إن ربي حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم، فناشدتكم بالله، أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة ألا قام فليقتص منه، فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملئكة والأنبياء" ، فقام إليه رجل من أقصى القوم، يقال له سوادة بن قيس، فقال له: فداك أمي وأبي يا رسول الله، إنك لما أقبلت من الطائف، إستقبلتك وأنت على ناقتك العضباء، وبيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني، فلا أدري عمدا أو خطأ، فقال صلى الله عليه وآله: (معاذ الله أن أكون تعمدت)، ثم قال: "يا بلال قم إلى منزل فاطمة، فأتني بالقضيب الممشوق" ، فخرج بلال وهو ينادي في سكك المدينة: معاشر الناس، من ذا الذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة؟ فهذا محمد صلى الله عليه وآله يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة.
مستمعينا الأكارم، تشتمل هذه الرواية على عبر كثيرة ولكننا ننقل منها ما يرتبط بموضوع هذه الحلقة من برنامج (من أخلاق الله)، فقد جاء فيها أنه وبعد ما جاء بلال بالقضيب الممشوق قال صلى الله عليه وآله: أين الشيخ؟ فقال الشيخ: ها أنا ذا يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فقال: تعال فاقتص مني حتى ترضى فقال الشيخ: فاكشف لي عن بطنك يا رسول الله، فكشف صلى الله عليه وآله عن بطنه، فقال الشيخ: بأبي أنت يا رسول الله، أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك؟ فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله صلى الله عليه وآله، من النار يوم النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا سوادة بن قيس، أتعفو أم تقتص؟" فقال: بل أعفو يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "اللهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيك محمد" صلى الله عليه وآله.
أيها الإخوة والأخوات، وقد تأسى مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام بأخلاق جده المصطفى صلى الله عليه وآله وبأعلى مراتب التأسي كما تشهد بذلك الرواية الثانية في هذا اللقاء، وقد رواها الحافظ السروي الحلبي المازندراني في كتاب المناقب وجاء فيها: إن مولى لعلي بن الحسين عليهما السلام، كان يتولى عمارة ضيعة له، فجاء عليه السلام ليطلعها فأصاب أي رأى فيها فسادا وتضييعا كثيرا، فغاظه ما رآه وغمه، فقرع المولى بسوط كان في يده، فلما انصرف إلى منزله، أرسل في طلب المولى، فأتاه فوجده عاريا والسوط بين يديه، فظن أنه يريد عقوبته، فاشتد خوفه، فأخذ علي بن الحسين عليهما السلام السوط ومد يده إليه، وقال: "يا هذا، قد كان مني إليك ما لم يتقدم مني مثله، فدونك السوط واقتص مني" ،فقال المولى: يا مولاي، والله إن ظننت إلا أنك تريد عقوبتي، وأنا مستحق للعقوبة، فكيف أقتص منك؟ "قال: ويحك اقتص" ، قال: معاذ الله أنت في حل وسعة، فكرر ذلك عليه مرارا، والمولى كل ذلك يتعاظم قوله ويحلله، فلما لم يره يقتص، قال له: "أما إذا أبيت، فالضيعة صدقة عليك" ؛ وأعطاه إياها.
جعلنا الله وإياكم إخوتنا مستمعي إذاعة طهران من الساعين في التخلق بهذه الأخلاق الكريمة التي فيها كرامة الدنيا والآخرة؛ شكرا لكم على مرافقتنا في هذه الحلقة من برنامج (من أخلاق الله) دمتم في رعاية الله.